خلف المتنفل، كذا قرره النووي في شرح مسلم جمعاً بينه وبين حديث جابر الآتي في الفصل الثاني، وحديث أبي بكرة قال:((صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في خوف الظهر فصف بعضهم خلفه وبعضهم بإزاء العدو، فصلى ركعتين ثم سلم، وانطلق الذين صلوا معه فوقفوا موقف أصحابهم ثم جاء أولئك فصلوا خلفه، فصلى بهم ركعتين ثم سلم ... )) الحديث، أخرجه أبوداود والنسائي وابن حبان وغيرهم بإسناد صحيح، قال الزيلعي في نصب الراية (ج٢ ص٢٤٦) حديث أبي بكرة صريح في أنه – عليه الصلاة والسلام – سلم من الركعتين، وحديث جابر ليس صريحاً، فلذلك حمله بعضهم على حديث أبي بكرة، ومنهم النووي، ومنهم من لم يحمله عليه، ومنهم القرطبي، وقال في (ج٢ ص٥٦) لفظ الصحيحين من حديث جابر قد يفهم منه أنه لم يسلم من الركعتين، وهو الأقرب، كما فهمه القرطبي في شرح مسلم. وقد يفهم منه أنه سلم من الركعتين ويفسره حديث أبي بكرة كما فهمه النووي، بل قد جاء مفسراً من رواية جابر أنه سلم من الركعتين، كما رواه البيهقي في المعرفة من طريق الشافعي. قلت: الأقرب عندي هو ما فهمه النووي، بل هو المتعين لحديث أبي بكرة، وهو حديث صحيح، ولرواية جابر المفسرة عند النسائي وابن خزيمة والدارقطني والبيهقي، والأحاديث يفسر بعضها بعضاً، قال الزيلعي: وعلى كل حال فالاستدلال على الحنفية بحديث جابر صحيح وإن لم يسلم من الركعتين؛ لأن فرض المسافر عندهم ركعتان والقصر عزيمة، فإن صلى المسافر أربعاً وقعد في الأولى صحت صلاته وكانت الأخريان له نافلة، وقد ذهل عن هذا جماعة من شراح الحديث، ومنهم النووي، وقالوا: لا يحسن الاستدلال عليهم إلا بحديث أبي بكرة أو بحديث جابر على تقدير أنه سلم في الركعتين – انتهى. وقد رد بمثل ذلك ابن حزم في المحلى (ج٤ ص٢٢٨) ، فارجع إليه إن شئت، ويأتي بقية الكلام في شرح حديث جابر في الفصل الثاني، ثم الكيفية المذكورة في حديث جابر مخالفة للكيفية التي في حديث يزيد بن رومان، مع أن الموضع واحد، وذلك لاختلاف الزمان، فيحمل على أنه – عليه الصلاة والسلام – صلى في هذا الموضع مرتين، مرة كما رواه يزيد بن رومان، ومرة كما رواه جابر، أو يحمل على تعدد غزوة ذات الرقاع، فقد قيل: إنها وقعت مرتين: مرة في السنة الخامسة، ومرة في السنة السابعة، والله أعلم. (متفق عليه) فيه نظر، فإن البخاري لم يسنده في صحيحه أصلاً، بل ذكره معلقاً في المغازي في غزوة ذات الرقاع، فقال: وقال أبان: حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر قال: ((أقبلنا ... )) الحديث، ورواه أيضاً متصلاً بإسناده لكن لم يذكر فيه قصة الصلاة، ووهم مجد الدين ابن تيمية في المنتفى حيث قال بعد ذكره باللفظ المذكور: متفق عليه. قال الزيلعي (ج٢ ص٢٤٦) : لم يصل البخاري سنده به، ووهم شيخنا علاء الدين مقلداً لغيره فقال: أخرجاه، وقد نص على ذلك الحميدي، وعبد الحق في كتابيهما الجمع بين الصحيحين، مع أن البخاري وصل سنده به في مواضع لكن ليس فيه قصة الصلاة، قال: ووهم