وعرفه الحكم مقروناً ببيان الحكمة بأنه يوم عيد، أي يوم سرور شرعي، فلا ينكر فيه مثل هذا كما لا ينكر في الأعراس، وبهذا يرتفع الإشكال عمن قال: كيف ساغ للصديق إنكار شيء أقره النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتكلف جواباً لا يخفى تعسفه – انتهى. وقال الطيبي: وهذا اعتذار منه – عليه الصلاة والسلام – بأن إظهار السرور في يوم العيدين شعار أهل الدين، وليس كسائر الأيام. قال النووي: اختلف العلماء في الغناء، فأباحه جماعة من أهل الحجاز، وهي رواية عن مالك، وحرمه أبوحنيفة وأهل العراق، ومذهب الشافعي كراهته، وهو المشهور من مذهب مالك، واحتج المجوزون بهذا الحديث، وأجاب الآخرون بأن هذا الغناء إنما كان في الشجاعة والقتل والحذق في القتال ونحو ذلك مما لا مفسدة فيه، بخلاف الغناء المشتمل على ما يهيج النفوس على الشر، ويحملها على البطالة والقبيح، قال القاضي: إنما كان غناهما بما هو من أشعار الحرب والمفاخرة بالشجاعة والظهور والغلبة، وهذا لا يهيج الجواري على شر، ولا إنشادهما كذلك من الغناء المختلف فيه، وإنما هو رفع الصوت بالإنشاد، ولهذا قالت: وليستا بمغنيتين، أي ليستا ممن يغنى بعادة المغنيات من التشويق والهوى، والتعريض بالفواحش، والتشبيب بأهل الجمال وما يحرك النفوس ويبعث الهوى، والغزل كما قيل:"الغناء رقية الزنا"، وليستا أيضاً ممن اشتهر وعرف بإحسان الغناء الذي فيه تمطيط وتكسير، وعمل يحرك الساكن، ويبعث الكامن، ولا ممن اتخذ ذلك صنعة وكسباً، والعرب تسمى الإنشاد غناء، وليس هو من الغناء المختلف فيه، بل هو مباح، وقد استجازت الصحابة غناء العرب الذي هو مجرد الإنشاد والترنم، وأجازوا الحداء وفعلوه بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي كل هذا إباحة مثل هذا وما في معناه، وهذا أو مثله ليس بحرام – انتهى كلام النووي. وقال الحافظ في الفتح: استدل جماعة من الصوفية بحديث الباب على إباحة الغناء وسماعه بآلة وبغير آلة، ويكفي في رد ذلك تصريح عائشة بقولها:"وليستا بمغنيتين" فنفت عنهما من طريق المعنى ما أثبتته لهما باللفظ؛ لأن الغناء يطلق على رفع الصوت وعلى الترنم الذي تسميه العرب النصب – بفتح النون وسكون المهملة – وعلى الحداء، ولا يسمى فاعله مغنياً، وإنما يسمى بذلك من ينشد بتمطيط وتكسير، وتهييج وتشويق بما فيه تعريض بالفواحش أو تصريح. قال القرطبي: قولها "ليستا بمغنيتين" أي ليستا ممن يعرف الغناء كما يعرفه المغنيات المعروفات بذلك، وهذا منها تحرز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به، وهو الذي يحرك الساكن، ويبعث الكامن، وهذا النوع إذا كان في شعر فيه وصف محاسن النساء والخمر وغيرهما من الأمور المحرمة لا يختلف في تحريمه، لكن النفوس الشهوانية غلبت على كثير ممن ينسب إلى الخير، حتى لقد ظهرت من كثير منهم فعلات المجانين والصبيان، حتى رقصوا بحركات متطابقة وتقطيعات متلاحقة، وانتهى التواقح بقوم منهم إلى أن جعلوها من باب القرب وصالح الأعمال، وإن ذلك يثمر سنتي الأحوال، وهذا على التحقيق من آثار الزندقة وقول أهل المخرفة، والله المستعان – انتهى. قال الحافظ: وينبغي أن يعكس مرادهم ويقرأ سيّء عوض النون