أتيت أبي بن كعب فقلت له: قد وقع في نفسي شيء من القدر فحدثني لعل الله أن يذهبه من قلبي. فقال: لو أن الله عزوجل عذب أهل سمواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهباً في سبيل الله ما قبله الله منك
ــ
هذا هو أبوبسر عبد الله بن فيروز الديلمي أخو الضحاك بن فيروز، كان يسكن بيت المقدس، ثقة من كبار التابعين، ومنهم من ذكره في الصحابة. وأبوه فيروز صحابي معروف، وقال المصنف في أسماء رجال المشكاة: ابن الديلمي هو الضحاك بن فيروز تابعي حديثه في المصريين، روى عن أبيه – انتهى. والراجح عندنا أن المراد بابن الديلمي ههنا هو عبد الله بن فيروز لا أخوه الضحاك؛ لأنه ليس للضحاك رواية عن أبي بن كعب، والله أعلم. (أتيت أبي ابن كعب) هو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي النجاري المدني سيد القراء، شهد بدراً وما بعدها والعقبة الثانية، كناه النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا المنذر وعمر أبا الطفيل، وسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - سيد الأنصار وعمر سيد المسلمين، كان يكتب للنبي - صلى الله عليه وسلم - الوحي، وهو أحد الستة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأحد الفقهاء الستة الذين كانوا يفتون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان أقرأ الصحابة لكتاب الله، كان عمر يسأله عن النوازل ويتحاكم إليه في المعضلات، وله مناقب جمة. روي له مائة وأربعة وستون حديثاً، اتفق الشيخان على ثلاثة، وانفرد البخاري بأربعة، ومسلم بسبعة، روى عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين. واختلف في سنة موته اختلافاً كثيراً قيل/: سنة (١٩) وقيل (٢٠) وقيل (٢٢) وقيل (٣٠) وقيل (٣٢) وقيل (٣٣)(قد وقع في نفسي شيء من القدر) أي حزازة واضطراب عظيم من جهة أمر القضاء والقدر باعتبار العقل أريد منك الخلاص منه، وقيل:"شي من القدر" أي لأجل القول بالقدر يريد أنه وقع في نفسه من الشبه لأجل القول بالقدر، أوالمراد بالقدر هو القول بنفي القدر الذي هو مذهب القدرية. (فحدثني) أي بحديث (لعل الله أن يذهبه) دخول "أن" في خبر لعل للتشبيه بعسى (فقال: لو أن الله عزوجل عذاب أهل سمواته) من الملائكة (وأهل أرضه) من الأنبياء والأولياء وغيرهم (عذبهم وهو غير ظالم لهم) الواو للحال، إرشاد عظيم وبيان شاف لإزالة ما طلب منه؛ لأنه هدم قاعدة الحسن والقبح العقليين؛ لأنه مالك الأرض والسماوات وما فيهن، فله أن يتصرف في ملكه كيف يشاء ولا يتصور في تصرفه ظلم؛ لأنه تصرف في ملك الغير ولا ملك لغيره أصلاً ثم عطف عليه (ولو رحمهم) إلخ إيذاناً بأن النجاة من العذاب إنما هي برحمته وفضله لا بالأعمال الصالحة، فالرحمة خير منها فلو شاء أن يصيب برحمته الأولين والآخرين فله ذلك ولا يخرج ذلك عن حكمة (مثل أحد) بضمتين، جبل عظيم قرب المدينة (ذهباً) تمييز (في سبيل الله) أي مرضاته (ما قبله الله) أي ذلك الإنفاق أو مثل ذلك الجبل (منك) وهو تمثيل على سبيل الفرض لا تحديد إذ لو فرض إنفاق ملأ السماوات والأرض كان كذلك، وفيه إشارة