قلت: روى البيهقي (ج٩ ص٢٧٠) حديث عقبة من طريق عبد الله البوشجي – أحد الأئمة الكبار في الحفظ والفقه وسائر فنون العلم – رواها عن يحيى بن بكير عن الليث بالسند الذي ساقه البخاري، وزاد فيها:((ولا رخصة فيها لأحد بعدك)) ، وهذه الزيادة صريحة في أن إجزاء العتود عنه خصوصية له سواء كان المراد من العتود والجذع في حديث عقبة ما تم عليه الحول كما عليه عامة أهل اللغة أو كان المراد ما تم عليه أكثر الحول، وفيه دليل لقول الجمهور إن الجذع من المعز لا يجزئ، ورد على الحنفية على تفسير أهل اللغة في قولهم بجواز التضحية بالمعز إذا كانت له سنة، والحق أنه لا يجوز الجذع من المعز، وإنما يجوز منها الثني، وهو الذي ألقى ثنيته كما تقدم. واعلم أن بين قوله - صلى الله عليه وسلم - لعقبة:((ولا رخصة فيها لأحد بعدك)) وبين قوله لأبي بردة بن نيار: ((ضح بالجذع من المعز ولن تجزئ عن أحد بعدك)) منافاة ظاهرة، فإن في كل منهما صيغة عموم، فأيهما يقدم على الآخر اقتضى انتفاء الوقوع للثاني، فقيل: يحتمل أن ذلك صدر لكل منهما في وقت واحد، أو تكون خصوصية الأول نسخت بثبوت الخصوصية للثاني، ولا مانع من ذلك؛ لأنه لم يقع في السياق استمرار المنع لغيره صريحاً، وذكر بعضهم أن الذين ثبتت لهم الرخصة أربعة لكن ليس التصريح بالنفي إلا في قصة أبي بردة في الصحيحين وفي قصة عقبة بن عامر في البيهقي، ولم يشاركهما أحد في ذلك، نعم وقعت المشاركة في مطلق الإجزاء لا في خصوص منع الغير لزيد بن خالد، رواه أبوداود وأحمد، وصححه ابن حبان، ولسعد بن أبي وقاص رواه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس، وأخرجه الحاكم من حديث عائشة، ولأبي يعلى والحاكم من حديث أبي هريرة: أن رجلاً قال: يا رسول الله! هذا جذع من الضأن مهزول، وهذا جذع من المعز سمين، وهو خيرهما أفأضحي به؟ قال:((ضح به فإن لله الخير)) ، وفي سنده ضعف، قال الحافظ: لا منافاة بين هذه الأحاديث وبين حديثي أبي بردة وعقبة لاحتمال أن يكون ذلك في ابتداء الأمر ثم تقرر الشرع بأن الجذع من المعز لا يجزئ، واختص أبوبردة وعقبة بالرخصة في ذلك، قال: والمشاركة إنما وقعت في مطلق الإجزاء لا في خصوص منع الغير، قال: وأما ما أخرجه ابن ماجه من حديث أبي زيد الأنصاري: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل من الأنصار:((اذبحها ولن تجزئ جذعة عن أحد بعدك)) فهذا يحمل على أنه أبوبردة بن نيار فإنه من الأنصار، وكذا ما أخرجه أبويعلى والطبراني: أن رجلاً ذبح قبل الصلاة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تجزئ عنك، قال: إن عندي جذعة، فقال: تجزئ عنك ولا تجزئ بعد)) فلم يثبت الإجزاء لأحد، ونفيه عن الغير إلا لأبي بردة وعقبة وإن تعذر الجمع الذي تقدم، فحديث أبي بردة أصح مخرجاً، والله أعلم – انتهى كلام الحافظ (متفق عليه) وأخرجه أيضاً أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي (ج٩ ص٢٦٩-٢٧٠) .