بأن إبطاء الانجلاء وعدمه لا يعلم في أول الحال ولا في الركعة الأولى، وقد اتفقت الروايات على أن عدد الركوع في الركعتين سواء، وهذا يدل على أنه مقصود في نفسه منوى من أول الحال. والمسلك الثاني: الترجيح فرجح القائلون بكونها ركعتين في كل ركعة ركوعان أحاديث تثنية الركوع لكونها أكثر وأصح. قال الحافظ في الفتح بعد ذكر من روى من الصحابة تثنية الركوع في كل ركعة ما لفظه: وفي رواياتهم زيدة رواها الحفاظ الثقات، فالأخذ بها أولى من إلغائها. وبذلك قال جمهور أهل العلم من أهل الفتيا، وقد وردت الزيادة في ذلك من طرق ... ، فذكر من روي عنه أحاديث تثليث الركوع وتربيعه وتخميسه ثم قال: ولا يخلو إسناد منها عن علة، وقد أوضح ذلك البيهقي وابن عبد البر، ونقل صاحب الهدي عن الشافعي وأحمد والبخاري أنهم كانوا يعدون الزيادة على الركوعين غلطاً من بعض الرواة، فإن أكثر طرق الحديث يمكن رد بعضها إلى بعض، ويجمعها أن ذلك كان يوم مات إبراهيم – عليه السلام -، وإذا اتحدت القصة تعين الأخذ بالراجح، والراجح قطعاً هو حديث عائشة وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو وأسماء بنت أبي بكر وجابر وغيرهم الذي فيه ركوعان في كل ركعة. وقال الشوكاني في السيل الجرار: إذا تقرر لك أن القصة واحدة عرفت أنه لا يصح ههنا أن يقال كما قيل في صلاة الخوف أنه يأخذ بأي الصفات شاء، بل الذي ينبغي ههنا أن يأخذ بأصح ما ورد وهو ركوعان في كل ركعة لما في الجمع بين هذه الروايات من التكلف البالغ. وقال ابن تيمية في التوسل والوسيلة (ص٦٩-٧٠) : لا يبلغ تصحيح مسلم تصحيح البخاري، بل كتاب البخاري أجل ما صنف في هذا الباب، والبخاري من أعرف خلق الله بالحديث وعلله مع فقهه فيه، قال: ولهذا كان جمهور ما أنكر على البخاري مما صححه يكون قوله فيه راجحاً على قول من نازعه بخلاف مسلم فإنه نوزع في عدة أحاديث مما خرجها، وكان الصواب فيها مع من نازعه، كما روى في حديث الكسوف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بثلاث ركوعات وبأربع ركوعات كما روى أنه صلى بركوعين، والصواب أنه لم يصل إلا بركوعين وأنه لم يصل الكسوف إلا مرة واحدة يوم مات إبراهيم، وقد بين ذلك الشافعي، وهو قول البخاري وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه، والأحاديث التي فيها الثلاث والأربع فيها أنه صلاها يوم مات إبراهيم، ومعلوم أنه لم يمت في يومي كسوف ولا كان له إبراهيمان، ومن نقل أنه مات عاشر الشهر فقد كذب – انتهى. وقال في منهاج السنة: حديث صلاة الكسوف بثلاث ركوعات وأكثر في مسلم من المواضع المنتقدة بلا ريب، وإلى ترجيح روايات تثنية الركوع ذهب أيضاً صاحب فيض الباري من الحنفية حيث قال: لم تنكسف الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا مرة، والروايات في تعدد الركوع بلغت إلى ست ركوعات في ركعتين، والأرجح عندي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ركع ركوعين في ركعة، والباقي أوهام كانت فتاوى الصحابة فاختلطت بالمرفوع، وإذن لا أتمسك من روايات ورد فيها ركوع