(وأهلكت) بضم الهمزة وكسر اللام (عاد) قوم هود (بالدبور) بفتح الدال وتخفيف الموحدة المضمومة، هي الريح الغربية. قال الطيبي: الصبا الريح التي تجيئ من قبل ظهرك إذا استقبلت القبلة، ويقال لها: القبول بفتح القاف لأنها تقابل باب الكعبة إذ مهبهاً من مشرق الشمس ومطلعها، والدبور هي التي تجيئ من قبل وجهك إذا استقبلت القبلة أيضاً فهي تأتي من دبرها ومهبهاً من مغرب الشمس قيل هذا في ديار خراسان وما وراء النهر وما في حكمهما من الأماكن التي قبلتها السمت الغربي دون الروم والعرب. وقال ابن الأعرابي: الصبا مهبهاً من مطلع الثريا إلى بنات نعش، والدبور من مسقط النسر الطائر إلى سهيل، وفرق بين تفسير الطيبي وتفسير ابن الأعرابي: فإن الأول يشمل سعة المشرق والمغرب كلها، والثاني الناحية منها، قيل إن الصبا هي التي حملت ريح يوسف عليه السلام إلى يعقوب قبل البشير إليه فإليها يستريح كل مخزون، والدبور هي الريح العقيم ونصرته - صلى الله عليه وسلم - بالصبا كانت يوم الخندق الذي يقال له غزوة الأحزاب، وكانوا زهاء أثني عشر ألفاً أو أكثر حين حاصروا المدينة فأرسل الله عليهم ريح الصبا باردة في ليالي شاتية شديدة البرد فسقت التراب والحصى في وجوههم وأطفأت نيرانهم وقطعت خيامهم فانهزموا من غير قتال {إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها} - الآية. ومع ذلك فلم يهلك منهم أحد ولم يتأصلهم لما علم الله من رأفة نبيه عليه الصلاة والسلام بقومه رجاء أن يسلموا، وأما عاد فإنه ابن عوص بن أرم بن سام بن نوح عليه السلام فتفرعت أولاده فكانوا ثلاث عشرة قبيلة ينزلون الأحقاف وبلادها وكانت ديارهم بالدهناء وعالج وبثرين ودبار وعمان إلى حضر موت وكانت أخصب البلاد وأكثرها جناناً، فلما سخط الله عليهم جعلها مفاوز فأرسل الله عليهم الدبور فأهلكتهم وكانت عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيام حسوماً أي متتابعة ابتدأت غدوة الأربعاء وسكنت في آخر الثامن واعتزل هو ونبي الله عليه السلام ومن معه من المؤمنين، قيل:وكانوا أربعة آلاف في حظيرة لا يصيبهم منها إلا ما يلين الجلود وتلذ الأعين وكانت الريح تقلع الشجر وتهدم البيوت ومن لم يكن في بيته منهم أهلكته في البراري والجبال، وكان ترفع الظعينة بين السماء والأرض حتى ترى كأنها جرادة وترميهم بالحجارة فتدق أعناقهم، قيل: كان طول أحدهم أثني عشرة ذراعاً، وقيل: كان أكثر من عشرة، وقيل: غير ذلك، وفي التفسير: أن الريح كانت تحمل الرجل فترفعه في الهواء ثم تلقيه فتشدخ رأسه فيبقى جثة بلا رأس فذلك قوله: {كأنهم أعجاز نخل خاوية}[الحاقة:٦] ، وروى ابن أبي حاتم من حديث ابن عمر والطبراني من حديث ابن عباس رفعاه ما فتح الله على عاد من الريح إلا موضع الخاتم فمرت بأهل البادية فحلمتهم ومواشيهم وأموالهم بين السماء والأرض فرأهم الحاضرة فقالوا: هذا عارض ممطرنا فألقتهم عليهم فهلكوا جميعاً، والحديث قد استنبط منه ابن بطال تفضيل بعض المخلوقات على بعض يعني أن المقصود منه تفضيل الصبا على الدبور من جهة إضافة النصر للصبا والإهلاك للدبور وتعقب بأن كل واحدة منهما أهلكت أعداء الله ونصرت