للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ليس من أحد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابراً محتسباً، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر شهيد)) .

ــ

بالعاصي مرتكب الكبيرة الذي يهجم عليه الطاعون وهو مصر، فإنه يحتمل أن لا يكرم بدرجة الشهادة لشؤم ما كان متلبساً به لقوله تعالى: {أم حسب الذين اجترحوا السيئآت أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات} [الجاثيات:٢١] وفي حديث ابن عمر عند ابن ماجه والبيهقي ما يدل على أن الطاعون ينشأ عن ظهور الفاحشة. ولفظه: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها الإفشاء فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم، وفي إسناده خالد بن يزيد بن أبي مالك، وقد ضعفه أحمد وابن معين وغيرهما، ووثقه أحمد بن صالح المصري وأبوزرعة الدمشقي. وقال ابن حبان: كان بخطئي كثيراً لكن له شاهد عن ابن عباس في الموطأ بلفظ: ولا فشا الزنا في قوم إلا كثر فيهم الموت- الحديث. قال في الفتح: فيه إنقطاع فدل هذا وغيره مما روى في معناه أن الطاعون قد يقع عقوبة بسبب المعصية، فكيف يكون شهادة؟ نعم يحتمل أنه يحصل له درجة الشهادة لعموم الأحاديث في ذلك، ولا يلزم المساواة بين الناقص والكامل في المنزلة، لأن درجات الشهادة متفاوتة- انتهى ملخصاً من الفتح (ليس) هذه الجملة بيان لقوله: جعله رحمة (من أحد) من زائدة أي ليس أحد يعني من المسلمين. وفي رواية: ليس من عبد أي مسلم (يقع الطاعون) صفة أحد، والراجع محذوف أي يقع في مكان هو فيه أو يقع في بلده (فيمكث) عطف على يقع (في بلده) وفي رواية أحمد في بيته، وفي رواية البخاري في القدر بلفظ: ما من عبد يكون في بلد يكون (أي الطاعون) فيه ويمكث فيه ولا يخرج من البلد أي التي وقع فيها الطاعون (صابراً) أي غير منزعج ولا قلق محتسباً أي طالبا للثواب على صبره، وهما حالان من فاعل يمكث أي يصبر وهو قادر على الخروج متوكلاً على الله طالباً لثوابه لا غير كحفظ ماله أو غرض آخر. وهذا قيد في حصول أجر الشهادة لمن يموت بالطاعون، وهو أن يمكث بالمكان الذي يقع به فلا يخرج منه فراراً، كما ورد النهى عنه صريحاً في الحديث الذي يليه (يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له) أي من الحياة والممات. وهذا قيد آخر وهي جملة حالية تتعلق بالإقامة، فلو مكث وهو قلق أو متندم على عدم الخروج ظاناً أنه لو خرج لما وقع به أصلاً ورأساً وأنه بإقامته يقع به، فهذا لا يحصل له أجر الشهيد ولو مات بالطاعون. هذا الذي يقتضيه مفهوم هذا الحديث كما اقتضى منطوقه أن من اتصف بالصفات المذكورة يحصل له أجر الشهيد وإن لم يمت بالطاعون، ويدخل تحته ثلاث صور من اتصف بذلك فوقع به الطاعون فمات به أو وقع به ولم يمت به أو لم يقع به أصلا ومات بغيره عاجلاً أو آجلاً، قاله الحافظ. (إلا كان له مثل أجر الشهيد) خبر ليس، والاستثناء مفرغ. ولعل السر في التعبير مع ثبوت التصريح بأن من مات بالطاعون كان شهيداً، أن من لم يمت من هؤلاء بالطاعون كان له مثل أجر الشهيد وإن لم يحصل له درجة الشهادة بعينها،

<<  <  ج: ص:  >  >>