١٦١٩- (٨) وعن جابر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول: ((لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله)) رواه مسلم.
ــ
١٦١٩- قوله:(سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل موته بثلاثة أيام) يفيد كمال ضبط الراوي وأحكام المروى (يقول لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله) قال القاري: أي لا يموتن أحدكم في حال من الأحوال إلا في هذه الحالة، وهي حسن الظن بالله بأن يغفر له، فالنهي وإن كان في الظاهر عن الموت وليس إليه ذلك حتى ينتهي، لكن في الحقيقة عن حالة ينقطع عندها الرجاء لسوء العمل كيلا يصادفه الموت عليها، وفي الحديث حث على الأعمال الصالحة المقتضية لحسن الظن- انتهى. وقال السندي: أي دوموا على حسن الظن وأثبتوا عليه حتى يجيء الموت وأنتم عليه قيل الأمر بحسن الظن يستلزم الأمر بحسن العمل إذ لا يحسن الظن إلا عند حسن العمل. قال الخطابي: إنما يحسن الظن بالله من حسن عمله فكأنه قال أحسنوا أعمالكم بحسن ظنكم بالله تعالى إذ من ساء عمله ساء ظنه. وقد يكون أيضاً حسن الظن بالله من جهة الرجاء وتأميل عفوه عزوجل. وقال الطيبي: أي أحسنوا أعمالك الآن حتى يحسن ظنكم بالله عند الموت فإن من ساء عمله قبل الموت يسوء ظنه عند الموت. وقال النووي في شرح المهذب: معنى تحسين الظن بالله أن يظن إن الله تعالى يرحمه ويرجو ذلك بتدبر الآيات والأحاديث الواردة في كرم الله تعالى وعفوه ورحمته وما وعد به أهل التوحيد وما يسره لهم من رحمته يوم القامة كما قال الله تعالى في الحديث الصحيح: أنا عند ظن عبدي بي. هذا هو الصواب في معنى الحديث، وهو الذي قاله جمهور العلماء، وشذ الخطابي فذكر تأويلاً آخر أن معناه أحسنوا أعمالكم حتى يحسن ظنكم بربكم فمن حسن عمله حسن ظنه ومن ساء عمله ساء ظنه، وهذا تأويل باطل نبهت عليه لئلا يغتر به، وقال في شرح مسلم هذا تحذير من القنوط وحث على الرجاء عند الخاتمة، ومعنى إحسان الظن بالله أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه قالوا وفي حالة الصحة يكون خائفاً راجياً ويكونان سواء، وقيل: يكون الخوف أرجح فإذا دنت إمارات الموت غلب الرجاء أو محضه، لأن مقصود الخوف الانكفاف عن المعاصي والقبائح والحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال وقد تعذر ذلك أو معظمه في هذا الحال فاستحب إحسان الظن المتضمن الافتقار إلى الله تعالى والإذعان له، ويؤيده حديث يبعث كل عبد على ما مات عليه. قال العلماء: معناه يبعث على الحال التي مات عليها ومثله حديث ثم بعثوا على نياتهم- انتهى. وسيأتي شيء من الكلام على هذا في شرح أنس آخر أحاديث الفصل الثاني من هذا الباب (رواه مسلم) في صفة النار، وأخرجه أيضاً أحمد وأبوداود في الجنائز، وابن ماجه في الزهد، والبيهقي، (ج٣ ص٣٧٨) .