للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قالوا: إنا نستحي من الله يا نبي الله! والحمد لله، قال: ليس ذلك، ولكن من استحي من الله حق الحياء، فليحفظ الرأس وما وعى، وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحي من الله حق الحياء))

ــ

أي اتقوا الله حق تقاته (قالوا إنا نستحي من الله يا نبي الله) وفي المسند: قال قلنا يا رسول الله إنا نستحي، وفي الترمذي: قلنا يا نبي الله إنا لنستحي. قال القاري: لم يقولوا حق الحياء اعترافاً بالعجز عنه (والحمد لله) على توفيقنا به (قال ليس ذلك) أي ليس حق الحياء من الله تعالى ما تحسبونه (فليحفظ الرأس) أي عن استعماله في غير طاعة الله بأن لا تسجد لغيره ولا تصلي للرياء ولا تخضع به لغير الله ولا ترفعه تكبراً على عباد الله (وما وعى) من الوعي وهو الحفظ أي ما جمعه الرأس من اللسان والعين والأذن عما لا يحل (وليحفظ البطن) أي عن أكل الحرام (وما حوى) أي ما اتصل اجتماعه به من الفرج والرجلين واليدين والقلب، فإن هذه الأعضاء متصلة بالجوف وحفظها بأن لا تستعملها في المعاصي بل في مرضاة الله تعالى. قال الطيبي: أي ليس حق الحياء من الله ما تحسبونه بل أن يحفظ نفسه بجميع جوارحه، وقوله: عما لا يرضاه فليحفظ رأسه وما وعاه من الحواس الظاهرة والباطنة من السمع والبصر واللسان حتى لا يستعملها إلا في ما يحل والبطن وما حوى أي لا يجمع فيها إلا الحلال ولا يأكل إلا الطيب، وقوله: ليس ذلك رد لحملهم الحياء على ما تعورف مطلقاً لما ضم إليه من التقييد بقوله حتى الحياء ولذلك أعادها في الجواب يعني حق الحياء، أن لا يترك شيئاً منها وما يتصل بها وما يتفرغ عليها إلا أن يتحرى ويقام به كما قال الله تعالى {اتقوا الله حق تقاته} [آل عمران: ١٠٢] قال صاحب الكشاف: أي واجب تقواه وما يحق منها وهو القيام بالواجب واجتناب المحارم ونحوه فاتقوا الله ما استطعتم يريد بالغوا بالتقوى حتى لا تتركوا في المستطاع منها شيئاً- انتهى. (وليذكروا الموت والبلى) بكسر الباء من بلى الشيء إذا صار خلقاً متفتتاً يعني وليذكر صيرورته في القبر عظاماً بالية، لأن من ذكر هذا هان عليه ما فاته من اللذات العاجلة وأهمه ما يجب عليه من طلب الآجلة (ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا) فإنهما لا يجتمعان على وجه الكمال حتى للأقوياء، قاله القاري. وقال المناوي: لأنهما ضرتان فمتى أرضيت أحديهما أغضبت الأخرى، واللفظ المذكور لأحمد، ولفظ الترمذي: ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن يحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى ويذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا وآثر الآخرة على الأولى (فمن فعل ذلك) أي جميع ما ذكر (فقد استحي من الله حق الحياء) قال الطيبي: المشار إليه جميع ما سبق فمن أهمل من ذلك شيئاً لم يخرج من عهدة الاستحياء فظهر من هذا أن جبلة الإنسان وخلقته من رأسه إلى قدمه ظاهره وباطنه معدن العيب ومكان المخازي وأن الله سبحانه وتعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>