للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فوقصته ناقته وهو محرم فمات، فقال رسول الله صلى اله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه بطيب، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً)) .

ــ

الصخرات راكباً على ناقته فوقع عنها. (فوقصته) بفتح الواو بعدها قاف ثم صاد مهملة. (ناقته) أي كسرت عنقه قال في النهاية: الوقص كسر العنق وقَصَت عنقه اقِصُها وقْصَاً ووقَصَت به راحلته كقولك: خذ الخِطامَ وبالخطام ولا يقال وقصت العنق نفسها ولكن يقال وقص الرجل فهو موقوص-انتهى. قال الكرماني: إن كان الكسر حصل بسبب الوقوع فإسناد الوقص إلى الناقة مجاز، وإن حصل من الناقة بأن أصابته بعد أن وقع فحقيقة. (اغسلوه بماء وسدر) فيه دليل على وجوب غسل الميت. وفيه إباحة غسل المحرم الحي بالسدر خلافاً لمن كرهه له، قاله ابن المنذر. (وكفنوه في ثوبيه) أي إزاره وردائه اللذين لبسهما في الإحرام، وفيه أن الوتر ليس بشرط في الصحة، وأن الثلاث في حديث عائشة المتقدم ليست واجبة، وإنما هي مستحبة، وهو قول الجمهور. وأما الواحد الساتر لجميع البدن فلا بد منه بالاتفاق. وقيل: يحتمل اقتصاره له على التكفين في ثوبيه لكونه مات فيهما وهو متلبس بتلك العبادة الفاضلة. ويحتمل أنه لم يجد غيرهما. وفيه أن الكفن من رأس المال؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر به ولم يستفصل هل عليه دين مستغرق أم لا؟ وفيه استحباب تكفين المحرم في ثياب إحرامه، وأنه لا يكفن في المخيط. وفيه التكفين في الثياب الملبوسة وهو مجمع عليه. (ولا تمسوه بطيب) بضم المثناة الفوقية وكسر الميم من الإمساس. وقيل بفتح التاء والميم من المس. وفي رواية: لا تحنطوه. (ولا تخمروا) بالتشديد أي لا تغطوا ولا تستروا. (رأسه) في النهي عن تخمير الرأس دليل على بقاء حكم الإحرام، وكذا في المنع عن التحنيط. وأصرح من ذلك التعليل بقوله: (فإنه يبعث) أي يحشر (يوم القيامة ملبياً) أي بصفة الملبين بنسكه الذي مات فيه من الحج قائلاً: لبيك اللهم لبيك. وفي رواية النسائي: فإنه يبعث يوم القيامة محرماً. والحديث دليل لما ذهب إليه الشافعي وأحمد وإسحاق والثوري وعطاء أن المحرم إذا مات يبقى في حقه حكم الإحرام فلا يغطى رأسه ولا يحنط ويكفن في ثوبي الإحرام. وخالف في ذلك مالك وأبوحنيفة. قال ابن دقيق العبد: وهو مقتضى القياس لانقطاع العبادة بزوال محل التكليف وهو الحياة، لكن اتبع الشافعي الحديث، وهو مقدم على القياس. قلت: استدل الحنفية والمالكية بما رواه مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعاً: إذا مات ابن آدم انقطع عمله. وأجيب بأن تكفينه في ثوبي إحرامه وتبقيته على هيئة إحرامه من عمل الحي بعده كغسله والصلاة عليه، فلا معنى لما ذكروه. وأجاب الحنفية والمالكية عن حديث ابن عباس بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعله عرف بالوحي بقاء إحرامه بعد موته فهو خاص بذلك الرجل، وبأنه واقعة حال لا عموم لها، وبأنه علل بقوله: فإنه يبعث ملبياً، وهذا الأمر لا يتحقق في غيره وجوده، فيكون خاصاً به. قال الشيخ

<<  <  ج: ص:  >  >>