للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فأمر به، فأخرج، فوضعه على ركبتيه، فنفث فيه من ريقه، وألبسه قميصه، قال: وكان كسا عباساً قميصاً)) .

ــ

فوقف عليه. (فأخرج) أي من قبره. (فنفث فيه) أي في جلده كما في تفسير الثعلبي. (وألبسه قميصه) إنجازاً لوعده في تكفينه في قميصه، والحديث صريح في أن إعطاء القميص وإلباسه إياه كان بعد ما أدخل ووضع في القبر، وهذا معارض لما في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر لما مات عبد الله بن أبي جاء ابنه فقال: يا رسول الله، أعطني قميصك أكفنه فيه، فأعطاه قميصه وقال: آذاني أصلي عليه فآذنه، فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر- الحديث. وقد جمع بينهما بأن المراد من قوله في حديث ابن عمر "فأعطاه" أي أنعم له بذلك، فأطلق على الوعد اسم العطية مجازاً لتحقق وقوعها، وكان أهل عبد الله بن أبيّ خشوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - المشقة في حضوره، فبادروا إلى تجهيزه قبل وصول النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما وصل وجدهم قد دلوه في حفرته فأمر بإخراجه إنجازاً لوعده في تكفينه في القميص والصلاة عليه. وقيل: المراد من حديث جابر أن الواقع بعد إخراجه من حفرته، هو النفث، وأما القميص فقد كان ألبس، والجمع بينهما في الذكر لا يدل على وقوعهما معاً؛ لأن الواو لا تقتضي الترتيب ولا المعية، فلعله أراد أن يذكر ما وقع في الجملة من إكرامه - صلى الله عليه وسلم - له من غير إرادة الترتيب. وقيل: أعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد قميصيه أولاً، ولما دفن أعطاه الثاني بسؤال ولده عبد الله. وفي الإكليل للحاكم ما يؤيد ذلك، كذا في الفتح وغيره، ولا يخفى أن هذه التوجيهات لا يندفع بها الإيراد بالكلية، فإن حديث ابن عمر صريح في أنه حضر الصلاة عليه وأعطاه القميص، ورواية ابن عباس عن عمر عند الترمذي في تفسير سورة التوبة، وقد صححا أشد صراحة في ذلك، ففيها دعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للصلاة عليه فقام إليه. (إلى أن قال:) ثم صلى عليه ومشى معه فقام على قبره حتى فرغ منه، فإنه صريح في أنه - صلى الله عليه وسلم - كان مع الجنازة إلى أن أتي به القبر، وحديث جابر يفيد أنه جاء بعد ذلك وألبسه القميص بعد، نبه على ذلك السندي في حاشية النسائي. وقال الولي العراقي في شرح التقريب: ويحتمل الجمع بين الحديثين بصرف حديث ابن عمر عن ظاهره، إما بأن يكون ولده إنما طلب القميص بعد تكفينه وإدخاله حفرته، أو طلبه من أول موته لكن تأخر إعطاءه له حتى أدخل قبره، والفاء التي في قوله "فأعطاه قميصه" لا تنافي هذا؛ لأن زمن تجهيزه زمن يسير لا ينافي التعقيب. وفي الحديث جواز إخراج الميت من قبره لحاجة أو لمصلحة، وأن التكفين في القميص ليس ممتنعاً سواء كان مكفوف أو غير مكفوف، خلافاً لمن قال: إن القميص لا يسوغ إلا إذا كانت أطرافه غير مكفوفة أو كان غير مزرر ليشبه الرداء، وفي الخلافيات للبيهقي من طريق ابن عون قال: كان محمد بن سيرين يستحب أن يكون قميص الميت كقميص الحي مكففاً مزرراً. (قال) أي جابر. (وكان) أي عبد الله بن أبيّ (كسا عباساً) عمه - صلى الله عليه وسلم - حين أسر ببدر (قميصاً) وفي

<<  <  ج: ص:  >  >>