مسلم لو علم التاريخ في أحاديث من أثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - كبر خمساً أو غير ذلك. واستدلوا للنسخ أيضاً بما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - كبر أربعاً في آخر صلاة صلاها، روي ذلك من حديث ابن عباس عند البيهقي والدارقطني والطبراني وأبي نعيم وابن حبان في الضعفاء، ومن حديث عمر عند الدارقطني والحازمي، ومن حديث ابن عمر عند الحارث بن أبي أسامة، ومن حديث أنس عند الحازمي. وأجيب عن ذلك بأن طرق هذه الأحاديث ضعيفة واهية كما بسطها الزيلعي. وقال الحازمي: قد روي آخر صلاته كبر أربعاً من عدة روايات كلها ضعيفة. وقال البيهقي بعد رواية حديث ابن عباس من طريق النضر بن عبد الرحمن: قد روي هذا من وجوه أخر كلها ضعيفة-انتهى. وروى ابن عبد البر في الاستذكار بسنده عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن أبيه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبر على الجنائز أربعاً وخمساً وستاً وسبعاً فثمانياً، حتى جاءه موت النجاشي فخرج إلى المصلى فصف الناس وراءه وكبر عليه أربعاً، ثم ثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - على أربع حتى توفاه الله عزوجل، ذكره الزيلعي في نصب الراية، والحافظ في التلخيص والدراية، ولم يتكلما عليه، فإن ثبت وصح هذا كان حجة على أن آخر الأمر كان أربعاً، لكن لا يكون رافعاً للنزع؛ لأن اقتصاره على الأربع لا ينفي مشروعية الخمس بعد ثبوتها عنه، وغاية ما فيه جواز الأمرين، قاله الشوكاني. ورجح الجمهور ما ذهبوا إليه بمرجحات: الأول أن الأربع ثبتت من طريق جماعة من الصحابة أكثر عدداً ممن روى عنهم الخمس كما تقدم، الثاني أنها في الصحيحين، الثالث أنه أجمع على العمل بها الصحابة، فروى البيهقي من طريق علي بن الجعد ثنا شعبة عن عمرو بن مرة سمعت سعيد بن المسيب يقول: إن عمر قال: كل ذلك قد كان أربعاً وخمساً، فاجتمعنا على أربع، ورواه ابن المنذر من وجه آخر عن شعبة، وروى البيهقي أيضاً عن أبي وائل قال: كانوا يكبرون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعاً وخمساً وستاً وسبعاً، فجمع عمر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فأخبر كل رجل منهم بما رأى، فجمعهم عمر على أربع تكبيرات، ومن طريق إبراهيم النخعي اجتمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت أبي مسعود، فأجمعوا على أن التكبير على الجنازة أربع. واستدل بعضهم بإجماع الصحابة على الأربع على نسخ ما فوق الأربع. قال الطحاوي بعد رواية أثر إبراهيم النخعي بسنده: فهذا عمر قد رد الأمر في ذلك إلى أربع تكبيرات بمشورة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وهم حضروا من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما رواه حذيفة وزيد بن أرقم، فكأن ما فعلو من ذلك عندهم هو أولى مما قد كانوا علموا، فذلك نسخ لما قد كانوا علموا؛ لأنهم مأمونون على ما قد فعلوا كما كانوا مأمونين على ما رووا-انتهى. وقال البيهقي بعد رواية حديث ابن عباس في كون الأربع آخر أمره: قد روي هذا اللفظ من وجوه أخرى كلها ضعيفة، إلا أن اجتماع أكثر الصحابة على الأربع كالدليل على ذلك. وأجيب عن الأول من هذه المرجحات والثاني بأنه إنما يرجح بهما عند التعارض. ولا تعارض