إلى أنه يحمل كما شاء الحامل، إن شاء من أحد قوائمه، وإن شاء بين العمودين. قال ابن قدامة: التربيع سنة في حمل الجنازة لقول ابن مسعود: إذا تبع أحدكم جنازة فليأخذ بجوانب السرير الأربع، ثم ليتطوع بعد أو ليذر فإنه من السنة، رواه سعيد بن منصور في سننه. وهذا يقتضي سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - انتهى. قلت: وأخرجه أيضاً ابن ماجه وابن أبي شيبة والبيهقي وأبوداود الطيالسي وعبد الرزاق والطبراني، ورجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعاً؛ لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه شيئاً. وفي الباب آثار عن أبي الدرداء عند ابن أبي شيبة، وفيه عامر بن جَشِيب وثقه الدارقطني، وقال: إنه لم يسمع من أبي الدرداء، وعن ابن عباس عند ابن أبي شيبة أيضاً، وفيه مندل العنزى، وهو ضعيف، وعن ابن عمر عند عبد الرزاق وابن أبي شيبة أيضاً، وعن أبي هريرة عند عبد الرزاق، وفيه أبوالمهزم وهو ضعيف. قال ابن قدامة: وصفة التربيع المسنون أن يبدأ فيضع قائمة السرير اليسرى على كتفه اليمنى من عند رأس الميت، ثم يضع القائمة اليسرى من عند الرجل على الكتف اليمنى، ثم يعود أيضاً إلى القائمة اليمنى من عند رأس الميت فيضعها على كتفه اليسرى، ثم ينتقل إلى اليمنى من عند رجليه، وبهذا قال أبوحنيفة والشافعي. وعن أحمد أنه يدور عليها فيأخذ بعد ياسرة المؤخرة يامنة المؤخرة ثم المقدمة، وهو مذهب إسحاق، وروي عن ابن مسعود وابن عمر وسعيد بن جبير وأيوب، ولأنه أخف، ووجه الأول أنه أحد الجانبين فينبغي أن يبدأ فيه بمقدمه كالأول. فأما الحمل بين العمودين فقال ابن المنذر: روينا عن عثمان وسعد بن مالك وابن عمر وأبي هريرة وابن الزبير أنهم حملوا بين عمودي السرير، وقال به الشافعي وأحمد وأبوثور وابن المنذر، وكرهه النخعي والحسن وأبوحنيفة وإسحاق، والصحيح الأول؛ لأن الصحابة قد فعلوه، وفيهم أسوة حسنة. وقال مالك: ليس في حمل الميت توقيت يحمل من حيث شاء، ونحوه قال الأوزاعي، واتباع الصحابة رضي الله عنهم فيما فعلوه وقالوه أحسن وأولى-انتهى كلام ابن قدامة. قلت: الآثار المروية عن الصحابة في الحمل بين العمودين، روى بعضها ابن سعد في الطبقات (ج٨ص٦٠) وسعيد بن منصور في سننه، كما في المحلى (ج٥ص١٦٨- ١٦٩) والطبراني في معجمه، وروى أكثرها الشافعي في كتاب الأم (ج١ص٢٣١) ورواها البيهقي من طريق الشافعي في المعرفة وفي السنن (ج٤ص٢٠) وقد ذكرها الزيلعي في نصب الراية (ج٢ص٢٨٨) والحافظ في التلخيص (ص١٥٦) . قال النووي في شرح المهذب (ج٥ص٢٦٩) : والآثار المذكورة عن الصحابة رواها الشافعي والبيهقي بأسانيد ضعيفة إلا أثر سعد بن أبي وقاص فصحيح، والله أعلم-انتهى. قلت: وقد صح عن ابن عمر أيضاً الحمل بين العمودين، رواه سعيد بن منصور في سننه كما في المحلى (ج٥ص١٦٨) . والقول الراجح عندي هو ما ذهب إليه أحمد أن التربيع سنة، وهو أفضل من الحمل بين العمودين، وإن حمل بين العمودين كان حسناً ولم يكره، والله تعالى أعلم.