فلما تفرقنا، كأني ومالكاً لطول اجتماع لم نبت ليلة معاً
ثم قالت: والله لو حضرتك ما دفنت إلا حيث مت، ولو شهدتك ما زرتك)) .
ــ
أبي بكر الصديق. وجذيمة بفتح الجيم وكسر الذال. قال الطيبي: جذيمة هذا كان ملكاً بالعراق والجزيرة وضم إليه العرب وهو صاحب الزباء- انتهى. وفي القاموس: الزباء ملكة الجزيرة وتعد من ملوك الطوائف، أي كنا كندمانى جذيمة وجليسيه، وهما مالك وعقيل كانا منادميه وجليسيه وأنيسيه مدة أربعين سنة. (حقبة) بالكسر أي المدة طويلة. (حتى قيل لن يتصدعا) أي إلى أن قال الناس لن يتفرقا. (فلما تفرقنا) أي بالموت. (كأني ومالكاً) هو أخو الشاعر الميت. (لطول اجتماع) قيل اللام بمعنى مع أو بعد كما في قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس}[الإسراء:٧٨] ومنه: صوموا لرويته، أي بعد رؤيته. (لم نبت ليلة معاً) أي مجتمعين. (ثم قالت) أي عائشة: (لو حضرتك) أي وقت الدفن. (ما دفنت) بصيغة المجهول. (إلا حيث مت) أي منعتك أن تنقل من مكان إلى مكان، بل دفنت حيث مت، وقد سبق الكلام في نقل الميت فيما تقدم، وكأنها ذهبت إلى منع النقل مطلقاً. (ولو شهدتك) أي حضرت وفاتك. (ما زرتك) قال الطيبي: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن زوارات القبور-انتهى. ويرد عليه أن عائشة كيف زارت مع النهي وإن كانت لم تشهد وقت موته ودفنه، ويمكن أن يجاب عنه بأن النهي محمول على تكثير الزيارة؛ لأنه صيغة مبالغة، ولذا قالت: لو شهدتك ما زرتك؛ لأن التكرار ينبىء عن الإكثار. وفيه أنه ورد اللعن على مطلق الزيارة في بعض الروايات أي بغير صيغة المبالغة. فقد روى أحمد وأبوداود وغيرهما عن ابن عباس مرفوعاً: لعن الله زائرات القبور. وقد تقدم في باب المساجد مع الكلام عليه. وقيل: النهي محمول على زيارتهن لمحرم كالنوح وغيره مما اعتدنه. واختلف العلماء في زيارة القبر للنساء، فذهب الأكثر إلى الجواز. ومحله ما إذا أمنت الفتنة، ويؤيد الجواز حديث أنس الآتي في باب البكاء قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بامرأة تبكي عند قبرها، فقال: اتقي الله واصبري الخ. فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر وتقريره حجة. قال البيهقي: ليس في خبر أنس أنه نهاها إلى الخروج إلى المقبرة، ويؤيد الجواز أيضاً ما رواه مسلم من حديث عائشة قالت: كيف أقول يا رسول الله تعني إذا زرت القبور، قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين-الحديث. سيأتي في باب زيارة القبور، وممن حمل الإذن في زيارة القبور على عمومه للرجال والنساء عائشة، كما يدل عليه حديث الباب وأصرح منه ما روى الحاكم (ج١:ص٣٧٦) والبيهقي (ج٤:ص٧٨) والأثرم في سننه كلهم من طريق ابن أبي مليكة أنها أقبلت ذات يوم من المقابر، فقلت لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمن بن أبي بكر، فقلت لها: أليس كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم، كان نهى ثم أمر بزيارتها، وسيأتي مزيد الكلام عليه في باب