للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واصبري. قالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأتت باب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى)) .

ــ

عليها. وقال الطيبي: قوله: اتقي الله، توطئه لقوله: (واصبري) كأنه قيل لها خافي غضب الله إن لم تصبري، ولا تجزعي ليحصل لك الثواب. (قالت) أي جاهلة بمن يخاطبها وظانة أنه من آحاد الناس. (إليك عني) اسم فعل أي أبعد وتنح. (لم تصب) على بناء المجهول. (بمصيبتي، ولم تعرفه) الواو فيه للحال أي خاطبته بذلك، والحال أنها لم تعرف أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذ لو عرفته لم تخاطبه بهذا الخطاب. (فقيل لها) أي للمرأة بعد ما ذهب النبي - صلى الله عليه وسلم -. (أنه النبي - صلى الله عليه وسلم -) وفي رواية للبخاري: فمر بها رجل فقال لها: إنه رسول الله، فقالت: ما عرفته. وفي رواية أبي يعلى من حديث أبي هريرة قال: فهل تعرفينه؟ قالت: لا. وللطبراني في الأوسط من طريق عطية عن أنس: أن الذي سألها هو الفضل بن عباس. وزاد مسلم في رواية له: فأخذها مثل الموت، أي من شدة الكرب الذي أصابها لما عرفت أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خجلاً منه ومهابة. وإنما اشتبه عليها - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه من تواضعه لم يكن يستتبع الناس وراءه إذا مشى، كعادة الملوك والكبراء، مع ما كانت فيه من شاغل الوجد والبكاء. (فلم تجد عنده) أي عند بابه. (بوابين) يمنعون الناس من الدخول عليه. وفي رواية للبخاري: بواباً بالإفراد. قال الطيبي: فائدة هذه الجملة أنه لما قيل لها أنه النبي - صلى الله عليه وسلم - استشعرت خوفاً وهيبة في نفسها، فتصورت أنه مثل الملوك، له حاجب أو بواب يمنع الناس من الوصول إليه، فوجدت الأمر بخلاف ما تصورته. (فقالت) معتذرة إليه مما سبق منها حيث قالت إليك عني. (لم أعرفك) فاعذرني من تلك الردة وخشونتها. (إنما الصبر عند الصدمة الأولى) وفي رواية للبخاري: عند أول صدمة، وهي مرة من الصدم، وهو ضرب الشيء الصلب بمثله، ثم استعمل في كل مكروه حصل بغتة. والمعنى الصبر الذي يحمد عليه صاحبه ويصاب عليه فاعله بجزيل الأجر ما كان منه عند مفاجأة المصيبة، بخلاف ما بعد ذلك فإنه على مدى الأيام يسلو أو ينسى. وقال الحافظ: المعنى إذا وقع الثبات أول شيء يهجم على القلب من مقتضيات الجزع، فذلك هو الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر، وأصل الصدم ضرب الشيء الصلب بمثله، فاستعير للمصيبة الواردة على القلب. قال الطيبي: صدر هذا الجواب منه - صلى الله عليه وسلم - من قولها "لم أعرفك" على أسلوب الحكيم، كأنه قال لها: دعي الاعتذار، فإن من شيمتي أن لا أغضب إلا لله، وانظري إلى تفويتك من نفسك الجزيل من الثواب بالجزع وعدم الصبر أول فجأة المصيبة، فاغتفر لها عليه السلام تلك الجفوة لصدورها منها في حال مصيبتها وعدم معرفتها به، وبين لها أن حق هذا الصبر أن يكون في أول الحال، فهو الذي يترتب عليه الثواب، بخلاف ما بعد ذلك، فإنه

<<  <  ج: ص:  >  >>