هذه السفيهة. الثالث: أن الباء للحال، أي إنه يعذب حال بكائهم عليه، والتعذيب عليه من ذنبه لا بسب البكاء، يعني أن مبدأ عذاب الميت يقع عند بكاء أهله عليه، وذلك أن شدة بكائهم غالباً إنما تقع عند دفنه، وفي تلك الحالة يسأل ويبتدأ به عذاب القبر، فكان معنى الحديث: أن الميت يعذب حالة بكاء أهله عليه، ولا يلزم من ذلك أن يكون بكاءهم سبباً لتعذيبه. قال العيني: حكى الخطابي عن بعض أهل العلم أنه ذهب إلى أنه مخصوص ببعض الأموات الذين وجب عليه العذاب بذنوب اقترفوها، وجرى من قضاء الله سبحانه فيهم أن يكون عذابه وقت البكاء عليهم. ومعنى قوله:"يعذب ببكاء أهله" أي عند بكائهم عليه لاستحقاقه ذلك بذنبه، ويكون ذلك حالاً لا سبباً. قال الحافظ: ولا يخفى ما فيه من التكلف، ولعل قائله إنما أخذه من قول عائشة: إنما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنه ليعذب بمعصيته أو بذنبه، وإنه ليبكون عليه الآن، أخرجه مسلم، وعلى هذا يكون خاصاً ببعض الموتى. الرابع: أنه خاص بالكافر، وأن المؤمن لا يعذب بذنب غيره أصلاً، وهو بين من رواية ابن عباس عن عائشة حيث قالت: يرحم الله عمر، والله! ما حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه، ولكن إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه. الخامس: أن المراد بالميت ميت معهود معين. قال الحافظ: ومنهم من أوله على أن الراوي سمع بعض الحديث ولم يسمع بعضه، وأن اللام في الميت لمعهود معين، كما جزم به القاضي أبوبكر الباقلاني وغيره. وحجتهم ما سيأتي في رواية عمرة عن عائشة. قال الحافظ بعد ذكر هذه الأقوال الثلاثة الأخيرة ما لفظه: وهذه التأويلات عن عائشة متخالفة، وفيه إشعار بأنها لم ترد حديث أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه بحديث آخر، بل بما استشعرته من معارضة القرآن. قال الداودي: رواية ابن عباس عن عائشة بلفظ: إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه، بينت ما نفته عمرة وعروة عنها إلا أنها خصته بالكافر؛ لأنها أثبتت أن الميت يزداد عذاباً ببكاء أهله، فأي فرق بين أن يزداد بفعل غيره أو يعذب ابتداء. وقال القرطبي: إنكار عائشة ذلك وحكمها على الراوي بالتخطئة أو النسيان أو على أنه سمع بعضاً ولم يسمع بعضاً بعيد؛ لأن الرواة لهذا المعنى من الصحابة كثيرون، وهم جازمون، فلا وجه للنفي مع إمكان حمله على محمل صحيح، وقد جمع كثير من أهل العلم بين حديثي عمر وعائشة بضروب من الجمع، كما ستعرف. السادس: أنه خاص بمن كان النوح من سنته وطريقته، وهذا أحد وجوه الجمع، وعليه البخاري حيث قال في صحيحه: باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح من سنته، لقول الله تعالى:{قو أنفسكم وأهليكم ناراً}[التحريم:٦] . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) ، فإذا لم يكن من سنته فهو كما قالت عائشة:{ولا تزر وازرة وزرا أخرى} الخ. السابع أنه فيمن أوصى به أهله وهو أخص من الذي قبله، وهذا قول