ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله، فقال: اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا. فاجتمعن، فأتاهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلمهن مما علمه الله، ثم قال: ما منكن امرأة تقدم بين يديها من ولدها ثلاثة، إلا كان لها حجاباً من النار، فقالت امرأة منهن: يا رسول الله! أو اثنين؟ فأعادتها مرتين. ثم قال: واثنين واثنين واثنين)) رواه البخاري.
ــ
ابن السكن. (ذهب الرجال بحديثك) قال الطيبي: أي أخذوا نصيباً وافراً من مواعظك. وقال القاري: أي فازوا وظفروا به. ونحن محرومات من اغتنامه واكتسابه-انتهى. وفي رواية: غلبنا عليك الرجال أي بملازمتهم لك كل الأيام يتعلمون الدين، ونحن نساء ضعفة لا نقدر على مزاحمتهم. (فاجعل) أي انظر لنا فعين (لنا من نفسك) أي من اختيارك لا من اختيارنا. (يوماً) من الأيام فـ"من" ابتدائية تتعلق بـ"اجعل"، و"يوما" مفعول به، يعني هذا الجعل منشؤه اختيارك لا اختيارنا. قال الكرماني: ويحتمل أن يكون المراد من أوقات نفسك بإضمار الوقت والظرف صفة لـ"يوما"، وهو ظرف مستقر على هذا الاحتمال-انتهى. يعني اجعل لنا وقتاً ما من الأوقات المختصة بذاتك الأشرف. (اجتمعن) بكسر الميم. (في يوم كذا) أي في نهار كذا (وكذا) أي في وقت كذا. (في مكان كذا) أي من المسجد أو البيت. (وكذا) أي من وصفه بمقدمه أو مؤخره. (فاجتمعن) بفتح الميم. (ما منكن امرأة تقدم) من التقديم. (بين يديها) أي إلى يوم القيامة. (إلا كان) أي التقديم أو تقدمهم وموتهم. (حجاباً) أي ستراً. (فقالت امرأة منهن) هي أم سليم أو أم مبشر أو أم أيمن. (أو اثنين) عطف على "ثلاثة"، ويقال لمثل هذا: عطف تلقين، كأنه يلقن المخاطب المتكلم بأن يعطفه على ما قبله. وفي رواية: واثنين، أي وما حكم اثنين أو ومن قدم اثنين. (فأعادتها) أي المرأة كلمة أو اثنين. (مرتين) وفي رواية مسلم: فقالت امرأة: واثنين واثنين واثنين. (ثم قال) أي النبي - صلى الله عليه وسلم -. (واثنين واثنين واثنين) ثلاث مرات للتوكيد، والواو بمعنى أو. وفي الحديث ما كان عليه نساء الصحابة من الحرص على تعلم أمور الدين. وفيه أن أطفال المسلمين في الجنة: وأن من مات له ولدان حجباه من النار، ولا اختصاص لذلك بالنساء كما تقدم. (رواه البخاري) في العلم وفي الجنائز وفي الاعتصام، وأخرجه أيضاً مسلم في الأدب والبر والصلة، واللفظ للبخاري في الاعتصام، فكان من حق المصنف أن يقول: متفق عليه، واللفظ للبخاري، وأخرجه أحمد (ج٣ص٣٤، ٧٢) والبيهقي أيضاً.