أن في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضي بين العباد، فيرى سبيله: إما إلى الجنة وإما إلى النار. قيل: يا رسول الله! فالبقرة والغنم؟ قال: ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر، لا يفقد منها شيئاً، ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها، كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضي بين العباد، فيرى سبيله: إما إلى الجنة أو إلى النار.
ــ
المعنى أن أول الماشية إذا وصلت إلى آخرها تمشي عليه تلاحقت بها أخراها، ثم إذا أرادت الأولى الرجوع بدأت الأخرى بالرجوع فجاءت الأخرى أول حتى تنتهي إلى آخر الأولى، وكذا وجهه الطيبي، فقال: إن المعنى أولاها إذا مرت عليه التتابع إلى أن تنتهي إلى الأخرى، ثم ردت الأخرى من هذه الغاية، وتبعها ما كان يليها فما يليها إلى أن تنتهي أيضاً إلى الأولى، حصل الغرض من التتابع والاستمرار - انتهى. فيكون الابتداء في المرة الأولى من الإبل الأولى، وفي الثانية من الأخرى. والحاصل أنه يحصل هذا مرة بعد أخرى (خمسين ألف سنة) أي على هذا المعذب. وإلا فقد جاء أنه يخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة، قاله السندي. وقيل: معناه لو حاسب فيه غير الله سبحانه (فالبقر والغنم) أي كيف حال صاحبها (لا يفقد منها) أي من ذواتها وصفاتها شيئاً. وقال الطيبي: أي قرونها سليمة (ليس فيها عقصاء) بفتح العين المهملة وسكون القاف بعدها صاد مهملة ثم ألف ممدودة أي ملتوية القرنين، وإنما ذكرها، لأن العقصاء لا تؤلم بنطحها كما يؤلم غير العقصاء (ولا جلحاء) بجيم مفتوحة ثم لام ساكنة ثم حاء مهملة التي لا قرن لها (ولا عضباء) بفتح العين المهملة وسكون الضاد المعجمة المكسورة القرن، وقال النووي: التي انكسر قرنها الداخل، ونفي الثلاثة عبارة عن سلامة قرونها ليكون أجرح للمنطوح. وظاهر الحديث أن هذه الصفات فيها معدومة في العقبى، وإن كانت موجودة لها في الدنيا. وظاهر البعث أن يعيد الله تعالى الأشياء على ما كانت هي عليه في الدنيا، كما هو مفهوم من الكتاب والسنة، ولعله يخلقها كما كانت، ثم يعطيها القرون، ليكون سبباً لعذاب من منع زكاتها على وجه الشدة (تنطحه) بكسر الطاء. ويجوز فتحها، والأول أفصح وهو المشهور في الرواية، كما قال العراقي أي تضربه وتطعنه بقرونها وفي القاموس نطحه كمنعه وضربه أصابه بقرنه فقوله (بقرونها) إما تأكيد وإما تجريد (بأظلافها) جمع ظلف بكسر الظاء وهو للبقر والغنم والظباء، وهو المنشق من القوائم. وفي الحديث أن الله يحيي البهائم ليعاقب بها مانع الزكاة، وفي ذلك معاملة له بنقيض قصده، لأنه قصد منع حق الله منها، وهو الارتفاق والانتفاع بما يمنعه منها فكان ما قصد الانتفاع به أضر الأشياء عليه. والحكمة في كونها تعاد كلها مع أن حق الله فيها إنما هو في بعضها