أتى نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، فقيل له: لتنم عينك، ولتسمع أذنك، وليعقل قلبك. قال: فنامت عيني، وسمعت أذناي، وعقل قلبي. قال: فقيل لي: سيد بنى داراً، فصنع فيها مأدبة وأرسل داعياً، فمن أجاب الداعي، دخل الدار، وأكل من المأدبة، ورضي عنه السيد. ومن لم يجب الداعي، لم يدخل الدار، ولم يأكل من المأدبة، وسخط عليه السيد. قال: فالله السيد، ومحمد الداعي، والدار الإسلام، والمأدبة الجنة)) .
ــ
باليمن، وهو ربيعة بن عمرو، ويقال: ابن الحارث، ويقال: ابن الغاز بمعجمة وزاى، أبوالغاز الدمشقي، وهو جد هشام ابن الغاز بن ربيعة، مختلف في صحبته، ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب عن الواقدى، قال: ربيعة الجرشي قد سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث. وقال البخاري في تاريخه: له صحبة، وذكره في الصحابة المصنف، وابن حبان، وابن مندة، وأبونعيم، والباوردي، والبغوي، وابن سعد، وغيرهم، وقال أبوحاتم: ليست له صحبة، وذكره أبوزرعة الدمشقي في التابعين. وقال الدارقطني: في صحبته نظر. وقال الصورى في حاشية الطبقات: لا أعلم له صحبة. واتفقوا على أنه قتل بمرج راهط مع الضحاك بن قيس سنة (٦٤) وكان فقيهاً، وثقه الدارقطني في الجرح والتعديل، ووثقه أيضاً غيره (أتى) بصيغة المجهول (نبي الله - صلى الله عليه وسلم -) أي أتاه آتٍ. (فقيل له) أي للنبي (لتنم عينك، ولتسمع أذنك، وليعقل قلبك) قال المظهر: أي أتى ملك إليه وقال له ذلك، ومعناه: لا تنظر بعينك إلى شيء، ولا تصغ بأذنك إلى شيء، ولا تجر شيئاً في قلبك، أي كن حاضراً حضوراً تاماً لتفهم هذا المثل. (قال: فنامت عيني) بالإفراد، وفي بعض النسخ "عيناى" بالتثنية" موافقاً لما في الدارمي (وسمعت أذناي وعقل قلبي) يعنى فأجابه بأني قد فعلت ذلك. قيل الأوامر الثلاثة واردة على الجوارح ظاهراً، وهي في الحقيقة له - صلى الله عليه وسلم - بأن يحمع بين هذه الخلال الثلاث: نوم العين، وحضور السمع والقلب، وعلى هذا جوابه بقوله: "فنامت" أي امتثلت لما أمرت به. وقيل: المراد بالأمر به الإخبار عنه، أي أنت نائم، سامع، داع؛ لأن الملك إنما جاءه وهو نائم، فقال له ذلك، وقيل: الأمر للاستمرار في الكل (فقيل لي) أي بطريق المثل من جهة الملك (سيد) خبر مبتدأ محذوف يعني "هو" وقوله: (بنى داراً) صفته، أي مثل سيد بنى داراً، ويجوز أن يكون مبتدأ و"بنى" خبره والتنوين للتعظيم، أو سوغه كونه فاعلاً معنى، قاله القاري (ورضي عنه السيد) بسبب الإجابة واللام للعهد (ومن لم يجب الداعي) تكبراً وعناداً، أو جهلاً واستبعاداً (قال) أي النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو الملك. والأول أظهر، والتقدير: إن أردت بيان هذا المثل (فالله السيد، ومحمد الداعي، والدار الإسلام، والمأدبة الجنة) فإن قلت: كيف شبه في حديث جابر السابق الجنة بالدار، وفي هذا الحديث الإسلام بالدار وجعل الجنة مأدبة؟ أجيب بأنه لما كان الإسلام سبباً لدخولها اكتفى في ذلك بالمسبب عن السبب، ولما كانت الدعوة إلى الجنة لا تتم إلا بالدعوة إلى الإسلام استقام