كما حرم الله، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة معاهد إلا أن يتسغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه)) ..
ــ
النبي - صلى الله عليه وسلم -، والواو للحال، وفيه التفات، أي الذي حرمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غير القرآن (كما حرم الله) أي وأحل، أي في القرآن. وفي ابن ماجه: ألا وإن ما حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل ما حرم الله. قال السندي:"وإن ما حرم" عطف على مقدر، أي ألا إن ما في القرآن حق، وإن ما حرم ... الخ. مثل ما حرم الله، أي في القرآن، وإلا فما حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو عين ما حرم الله، فإن التحريم يضاف إلى الرسول باعتبار التبليغ وإلا هو في الحقيقة لله. والمراد أنه مثله في وجوب الطاعة ولزوم العمل به- انتهى. (ألا لا يحل لكم) شروع في بيان ما ثبت بالسنة، ولم يوجد له ذكر في الكتاب على سبيل التمثيل لا التحديد (الحمار الأهلي) التخصيص بالصفة لنفي عموم الحكم؛ لأن البري حلال (ولا كل ذي ناب من السباع) أي سباع الوحوش كالأسد والذئب (ولا لقطة) بضم اللام وفتح القاف، مما يلتقط مما ضاع من شخص بسقوط أو غفلة (معاهد) أي كافر بينه وبين المسلمين عهد بأمان في تجارة، أو رسالة، وفي معناه الذمي. (إلا أن يستغني عنها صاحبها) أي يتركها لمن أخذها استغناء عنها، وهذا تخصيص بالإضافة، ويثبت الحكم في لقطة المسلم بطريق الأولى، وقيل: وجه التخصيص الاهتمام بشأن المعاهد لعهده؛ لأن النفس ربما تتساهل في لقطته لكونه كافراً، ولأنه بعيد عن المسامحة، بخلاف المسلم (ومن نزول بقوم) أي من استضاف قوماً (فعليهم أن يقروه) بفتح الياء وضم الراء، أي يضيفوه من قريت الضيف قرى إذا أحسنت إليه. وفيه دليل على وجوب القرى، وإليه ذهب أحمد، وحمله الأئمة الثلاثة على الندب (فإن لم يقروه فله) أي فللنازل (أن يعقبهم) من الإعقاب بأن يتبعهم ويجازيهم من صنيعه. يقال: أعقبه بطاعته إذا جازاه، وروي بالتشديد (مثل قراه) بالكسر والقصر لا غير. قال الجزرى في النهاية: أي فله أن يأخذ منهم عوضاً عما حرموه من القرى، يقال: عقبهم مشدداً ومخففاً، وأعقبهم، وإذا أخذ منهم عقبى وعقبة، وهو أن يأخذ عنهم بدلاً عما فاته -انتهى. وفيه تأكيد لوجوب القرى، فإنه يدل على إباحة العقوبة بأخذ المال لمن ترك ذلك، وهذا لا يكون في غير واجب. وأجاب القائلون بندب الإضافة عن هذا الحديث بأنه يحتمل أن الأمر بأخذ مقدار القرى من مال المنزول به كان من جملة العقوبات التي نسخت بوجوب الزكاة، ورد بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال. وأجابوا أيضاً بأنه محمول على المضطر، فإنه يجب إطعامه إجماعاً. ورد بأن لا دليل على هذا الحمل ولا دعت إليه حاجة، فلا يلتفت إليه. وأجابوا أيضاً بأنه كان في أول الإسلام ثم صار منسوخاً. وأجابوا أيضاً بأنه محمول على من مر بأهل الذمة الذين شرط علهم ضيافة من يمر بهم من المسلمين. ورد بأن هذا الحمل ضعيف بل باطل؛ لأنه إنما صار هذا في زمن عمر بن الخطاب. والراجح عندي ما ذهب إليه أحمد لحديث المقدام وغيره مما يدل على وجوب الضيافة، وهو مخصص لحديث حرمة الأمول إلا بطيبة