جاء هلال أحد بني متعان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بعشور نحل له وكان سأله أن يحمي له وادياً يقال له سلبة فحماه له فلما ولي عمر كتب إلى عامله سفيان بن وهب، إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عشور نحلة فاحم له سلبة وإلا فلا. ورواه ابن ماجه من هذا الوجه بلفظ: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ من العسل العشر. وروى الطبراني من هذا الوجه إن بني شبابه بطن من فهم كانوا يؤدون عن نحل لهم العشر من كل عشر قرب قربة- الحديث. ولأبي عبيد في الأموال (ص٤٩٧) والبيهقي (ج٤ ص١٢٧) من هذا الوجه إن النبي - صلى الله عليه وسلم -: كان يؤخذ في زمانه من العسل في كل عشر قرب قربة من أوسطها، وفي إسناده ابن لهيعة. قال الحافظ في الفتح: بعد ذكر رواية أبي داود والنسائي إسناده صحيح إلى عمرو، وترجمة عمرو قوية على المختار، لكن حيث لا تعارض. وقد ورد ما يدل على أن هلالاً أعطى ذلك تطوعاً، فعند عبد الرزاق عن صالح بن دينار إن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عثمان بن محمد ينهاه، أن يأخذ من العسل صدقة. إلا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذها فجمع عثمان أهل العسل فشهدوا إن هلال بن سعد قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - بعسل. فقال ما هذا، قال: صدقة فأمر برفعها ولم يذكر عشوراً لكن الإسناد الأول أقوى، إلا أنه محمول على أنه في مقابلة الحمى، كما يدل عليه كتاب عمر بن الخطاب- انتهى. وقال الخطابي في المعالم:(ج٢ ص٤٣) في هذا الحديث دليل على أن الصدقة غير واجبة في العسل. وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أخذ العشر من هلال المتعى، إذ كان قد جاء بها متطوعاً وحمى له الوادي رفاقاً ومعونة له بدل ما أخذ منه. وعقل عمر بن الخطاب المعنى في ذلك فكتب إلى عامله يأمره بأن يحمى له الواديان إن أدى إليه العشر وإلا فلا، ولو كان سبيله سبيل الصدقات الواجبة في الأموال لم يخيره في ذلك- انتهى. وقال الشوكاني: وأعلم أن حديث أبي سيارة وحديث هلال إن كان غير أبي سيارة لا يدلان على وجوب الزكاة في العسل، لأنهما تطوعاً بها وحمى لهما يدل ما أخذ وعقل عمر العلة فأمر بمثل ذلك، ولو كان سبيله سبيل الصدقات لم يخير في ذلك. وبقية أحاديث الباب لا تنتهض للاحتجاج بها- انتهى. ويؤيده ما رواه الحميدي بإسناده إلى معاذ بن جبل أنه أتى بوقص البقر والعسل فقال معاذ كلاهما لم يأمرني فيه - صلى الله عليه وسلم - بشيء- انتهى. قلت: حديث معاذ هذا أخرجه أيضاً أبوداود في المراسيل، وعبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي " (ج٤ ص١٢٧) وابن حزم (ج٥ ص٢٣٣) من طريق طاووس عنه. وفيه انقطاع بين طاووس ومعاذ. لكن قال البيهقي: هو قوى لأن طاوساً كان عارفاً بقضايا معاذ. وقال الشافعي: الحديث في أن في العسل العشر ضعيف، وفي أن لا يؤخذ منه العشر ضعيف، إلا عن عمر بن عبد العزيز، واختياري أن لا يؤخذ منه؛ لأن السنن والآثار ثابتة فيما يؤخذ منه، وليست فيه ثابتة فكأنه عفو- انتهى. وتقدم قول ابن المنذر أنه ليس في وجوب الصدقة في العسل خبر يثبت ولا إجماع، فلا زكاة فيه، وقول البخاري أنه لا يصح فيه شيء- انتهى. قلت: واستدل الجصاص على وجوب الزكاة في العسل بقوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة}[التوبة: ١٠٣] إذ قال ظاهر قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} يوجب الصدقة في العسل إذ هو من