مالك في الموطأ إن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامل:انظر من مر بك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم مما يريدون من التجارة، من كل أربعين دينارا دينارا. قال ابن العربي: إن عمر بن عبد العزيز كتب بأخذ الزكاة من العروض والملأ الملأ والوقت الوقت، بعد أن استشار واستخار، وحكم بذلك وقضى به على الأمة. فارتفع الخلاف بحكمه، وقد أخذها عمر إلا على قبله وهو صحيح من رواية أنس- انتهى. وبأن العروض المتخذة للتجارة مال مقصود به التنمية فأشبه الأجناس الثلاثة التي فيها الزكاة باتفاق، أعني الحرث والماشية والذهب والفضة.
واستُدل للظاهرية بما تقدم من قوله عليه السلام: ليس على المسلم صدقة في عبده ولا في فرسه فإنه لم يقل إلا أن ينوي بهما التجارة. وأجيب عنه بأن المراد به زكاة العين لا زكاة القيمة بدليل ما تقدم على أن هذا الحديث عام وما استدل به الجمهور من الأحاديث والآثار خاص فيجب تقديمه هذا.
ومال الشوكاني إلى عدم وجوب الزكاة فى عروض التجارة حيث قال في السيل الجرار بعد الكلام في حديثي سمرة وأبي ذر. والحاصل أنه (ليس في المقام ما تقوم به الحجة. وإن كان مذهب الجمهور كما حكاه البيهقي فى سننه. فإنه قال إنه قول عامة أهل العلم والدين- انتهى.
قلت: والحق عندي: هو ما ذهب إليه الجمهور لما قدمنا من الدلائل وهي بمجموعها تنتهض للاستدلال على مسلك الجمهور، وتقوم بها الحجة في المقام والله تعالى أعلم.
ثم رأيت صاحب تفسيرالمنار قد قوى قول الجمهور بوجه آخر حسن فأحببت إيراده. قال: وجمهور علماء الملة يقولون بوجوب زكاة عروض التجارة، وليس فيها نص قطعي من الكتاب أو السنة. وإنما ورد فيها روايات يقوي بعضها بعضا مع الاعتبار المستند إلى النصوص، وهو إن عروض التجارة المتداولة للاستغلال نقود، لا فرق بينها وبين الدراهم والدنانير التى هي أثمانها، إلا في كون النصاب يتقلب ويتردد بين الثمن وهو النقد والمثمن وهو العروض، فلو لم تجب الزكاة فى التجارة لأمكن لجميع الأغنياء. أو أكثرهم أن يتجروا بنقودهم ويتحروا أن لا يحول الحول على نصاب من النقدين أبدا. وبذلك تبطل الزكاة فيهما عندهم، ورأس الاعتبار في المسئلة إن الله تعالى فرض في أموال الأغنياء صدقة لمواساة الفقراء، وإقامة المصالح العامة التي تقدم بيانها. وإن الفائدة فى ذلك للأغنياء تطهير أنفسهم من رذيلة البخل وتزكيتها بفضائل الرحمة بالفقراء، وسائر أصناف المستحقين ومساعدة الدولة والأمة فى إقامة المصالح العامة الأخرى التي يأتى ذكرها. والفائدة للفقراء وغيرهم إعانتهم على نوائب الدهر، مع ما في ذلك من سد ذريعة المفاسد، في تضخم الأموال وحصرها في أناس معدودين. وهو المشار إليه بقوله تعالى حكمه قسمة الفىء (كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم) فهل يعقل أن يخرج من هذه المقاصد الشرعية كلها التجار الذين ربما تكون معظم ثروة الأمة في أيديهم- انتهى.
(رواه أبو داود) وأخرجه أيضا الدارقطني (ص ٢١٤) والطبراني في الكبير والبزار والبيهقي