واختلف الأئمة في حكم هذه الأنواع، فذهب الحنفية كما تقدم إلى أن وجوب الخمس يختص بالنوع الأول دون النوعين الأخيرين. قال الكاساني: أما ما لا يذوب بالإذابة فلا خمس فيه ويكون كله للواجد، لأن الجص والنورة ونحوهما من أجزاء الأرض، فكان كالتراب والياقوت والفص من جنس الأحجار غير أنها أحجار مضيئة، ولا خمس في الحجر. وقال مالك والشافعي وابن حزم وداود يجب الزكاة في الذهب والفضة خاصة. وأوجب أحمد الزكاة في الأنواع الثلاثة. قال في الرواض المربع: المعدن إن كان ذهباً أو فضة ففيه ربع عشره إن بلغ نصاباً، وإن كان غيرهما ففيه ربع عشر قيمته، إن بلغت نصاباً بعد سبك وتصفية - انتهى. واستدل ابن قدامة لذلك بعموم قوله تعالى:{ومما أخرجنا لكم من الأرض}[البقرة: ٢٦٧] وقال الشاه ولي الله الدهلوي في المصفى شرح الموطأ بالفارسية: الظاهر إن المعادن القبلية لم تكن من الذهب والفضة، فإنها لم يذكرها أهل التاريخ، ومن البعيد سكوت جميعهم عن ذكرها، وإهمالهم إياها أو خفاءها عليهم، مع كونها بقرب المدينة. فالظاهر إنها كانت من بقية المنطبعات أو من غير ما ينطبع كالمغرة والنورة وهذا الأخير أقرب، فالظاهر هو ما قال به أحمد: من أن الزكاة تجب في كل ما يخرج من المعدن، منطبعاً كان أو غير منطبع - انتهى معرباً. الثانية: اختلفوا هل يشترط النصاب في الوجوب فيما يخرج من المعدن أم لا، قال العيني: يجب الخمس في قليله وكثيره ولا يشترط فيه النصاب عندنا واشترط مالك والشافعي وأحمد لوجوب الزكاة فيه أن يكون الموجود نصاباً ولنا أن النصوص خالية عن اشتراط النصاب فلا يجوز اشتراطه بغير دليل شرعي - انتهى. وقال ابن قدامة:(ج٣ ص٢٥) وهو أي نصاب المعادن ما يبلغ من الذهب عشرين مثقالاً، ومن الفضة مائتي درهم، أو قيمة ذلك من غيرهما، وهذا مذهب الشافعي. وأوجب أبوحنيفة الخمس في قليله وتكثيره من غير اعتبار نصاب، بناء على أنه ركاز لعموم الأحاديث التي احتجوا بها عليه؛ ولأنه لا يعتبر له حول فلم يعتبر له نصاب كالركاز. ولنا عموم قوله السلام: ليس فيما دون خمس أواق صدقة. وقوله: ليس في تسعين ومائة شيء، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ليس عليكم في الذهب شيء، حتى يبلغ عشرين مثقالا. وقد تقدم إن هذا ليس بركاز، وأنه مفارق للركاز، حيث إن الركاز مال كافر أخذ في الإسلام فأشبه الغنيمة، وهذا وجب مواساة وشكر النعمة الغني فاعتبر له النصاب كسائر الزكوات، وإنما لم يعتبر له الحول لحصوله دفعة واحدة فأشبه الزروع والثمار - انتهى. الثالثة: قال ابن قدامة: (ج٣ ص٢٦) تجب الزكاة في ما يخرج من المعدن حين يتناوله ويكمل نصابه ولا يعتبر له حول، وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي. وقال إسحاق وابن المنذر: لا شيء في المعدن، حتى يحول عليه الحول لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول, ولنا أنه مال مستفاد من الأرض فلا يعتبر في وجوب حقه حول، كالزروع والثمار والركاز، ولأن الحول إنما يعتبر في غير هذا لتكميل النماء، وهو يتكامل نماءه دفعة واحدة، فلا يعتبر له