وقيل قول الفقهاء على حذف المضاف أي صدقة الفطر فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه واستغنى به في الاستعمال لفهم المعنى. وقيل: حذف المضاف وأقيمت الهاء في المضاف اليه لتدل على ذلك. وقال: ابن عابدين بعد بسط الكلام في اشتقاقه من الفطرة بمعنى الخلقة. والحاصل إن لفظ الفطرة بالتاء لا شك في لغويته. ومعناه الخلقة، وإنما الكلام في إطلاقه مراداً به المخرج فإن أطلق عليه بدون تقدير فهو إصطلاح شرعي (للفقهاء) مولد. وأما مع تقدير المضاف فالمراد بها المعنى اللغوي (كما تقدم في كلام ابن قتيبة) وأما لفظ الفطر بدون تاء فلا كلام في أنه معنى لغوي (مستعمل قبل الشرع؛ لأنه ضد الصوم) ويقال لها أيضاً زكاة الفطر وزكاة رمضان، وزكاة الصوم وصدقة رمضان، وصدقة الصوم، وتسمى أيضاً صدقة الرؤوس، وزكاة الأبدان سماها الإمام مالك رحمه الله. وكان فرضها في السنة الثانية من الهجرة في شهر رمضان قبل العيد بيومين. واختلف في حكمها فقالت: طائفة هي فرض، وهم الشافعي ومالك وأحمد لقول ابن عمر وأبي سعيد وابن عباس. فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر. وقال الحنفية: هي واجبة بناء على قاعدتهم في التفرقة بين الفرض والواجب. قال العيني: والنزاع لفظي؛ لأن الفريضة عند الشافعي (ومن وافقه) نوعان، مقطوع حتى يكفر جاحده، وغير مقطوع حتى لا يكفر جاحده، ومن جحد صدقة الفطر لا يكفر بالإجماع ولذا لا يكفر من قال إنها مستحبة، وأجاب ابن الهمام بأن الثابت بظني يفيد الوجوب وإنه لا خلاف في المعنى، لأن الافتراض الذي يثبته الشافعية ليس على وجه يكفر جاحده، فهو معنى الوجوب عندنا. وقد يجاب بأن قول الصحابي فرض، يراد به المعنى المصطلح عندنا للقطع به بالنسبة إلى من سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف غيره ما لم يصل إليه بطريق قطعي فيكون مثله، ولذا قالوا إن الواجب لم يكن في عصره - صلى الله عليه وسلم - انتهى. وقالت طائفة: هي سنة مؤكدة نقله المالكية عن أشهب وهو قول بعض أهل الظاهر وابن اللبان من الشافعية، وأولوا قوله "فرض" في الحديث بمعنى "قدر" قال ابن دقيق العيد: (ج٢:ص١٩٧) هو أصله في اللغة لكنه نقل في عرف الاستعمال إلى الوجوب فالحمل عليه أولى، لأن ما اشتهر في الاستعمال فالقصد إليه هو الغالب - انتهى. قال الحافظ: ويؤيده تسميتها زكاة، وقوله في الحديث "على كل حر وعبد" والتصريح بالأمر بها في حديث قيس بن سعد الآتي ولدخوله في عموم قوله تعالى: {وآتوا الزكاة}[البقرة:٤٣] فبين - صلى الله عليه وسلم - تفاصيل ذلك، ومن جملتها زكاة الفطر- انتهى. وقالت طائفة: هي فعل خير مندوب إليه، كانت واجبة، ثم نسخت، قال به إبراهيم بن علية وأبوبكر بن كيسان الأصم. لما روى عن قيس بن سعد بن عبادة قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله، أخرجه النسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي. قال الحافظ: وتعقب بأن في إسناده راوياً مجهولاً وعلى تقدير الصحة، فلا دليل فيه على النسخ الإحتمال الاكتفاء بالأمر الأول، لأن نزول فرض لا يوجب سقوط