للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

.....................

ــ

لا يلزمه تسليمه من ماله، وهذا هو أحد الخمسة الذين يحل لهم أخذ الصدقة وإن كانوا أغنياء كما سلف في حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد. والثاني: من أصاب ماله آفة سماوية أو أرضية كالبرد والغرق ونحوه بحيث لم يبق له ما يقوم بعيشه حلت له المسألة، حتى يحصل له ما يقوم بحالة ويسد خلته. والثالث: من أصابته فاقة ولكن لا تحل له إلا بشرط أن يشهد له من قومه؛ لأنهم أخبر بحاله ثلاثة من ذوي العقول، لا من غلب عليه البغاوة والتغفيل هو محمول على من كان معروفاً بالغنى ثم افتقر. أما إذا لم يكن كذلك فإنه يحل له السؤال وإن لم يشهدوا له بالفاقة، ويقبل قوله وظاهره إعتبار شهادة ثلاثة على الإعسار، وقد ذهب إلى ذلك ابن خزيمة وبعض أصحاب الشافعي. وقال الجمهور: تقبل شهادة عدلين كسائر الشهادات غير الزنا، وحملوا الحديث على الاستحباب. قال الخطابي: في هذا الحديث علم كثير وفوائد جمة، وذلك إنه قد جعل من تحل له المسألة من الناس أقساماً ثلاثة غنياً وفقيرين، وجعل الفقر على ضربين، فقراً ظاهراً، وباطناً، فالغنى الذي تحل له المسألة، هو صاحب الحمالة، وهي الكفالة والحميل الضمين والكفيل، ثم ذكر تفسير الحمالة كما نقلنا عنه. ثم قال فهذا الرجل صنع معروفاً وابتغى بما أتاه صلاحاً فليس من المعروف أن تورك الغرامة عليه في ماله، ولكن يعان على أداء ما تحمله منه ويعطى من الصدقة قدر ما يبرأ به ذمته ويخرج من عهدة ما تضمنه منه: وأما النوع الأول من نوعي أهل الحاجة فهو رجل أصابته جائحة في ماله فأهلكته، والجائحة في غالب العرف هي ما ظهر أمره من الآفات كالسيل يغرق متاعه، والنار تحرقه، والبرد يفسد زرعه وثماره في نحو ذلك من الأمور، وهذه الأشياء لا تخفى آثارها عند وقوعها، فإذا أصاب الرجل شيء منها فذهب ماله وافتقر حلت له المسألة. ووجب على الناس أن يعطوه الصدقة من غير بينة يطالبونه بها على ثبوت فقره وإستحقاقه إياها. وأما النوع الآخر: فإنما هو فيمن كان له ملك ثابت وعرف له يسار ظاهر فأدعى تلف ماله من لص طرقه أو خيانة ممن أودعه أو نحو ذلك من الأمور التي لا يبين لها أثر ظاهر في المشاهدة والعيان. فإذا كان ذلك، ووقعت في أمره الريبة في النفوس لم يعط شيئاً من الصدقة إلا بعد إستبراء حاله، والكشف عنه بالمسألة عن أهل الاختصاص به والمعرفة بشأنه، وذلك معنى قوله "حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجي من قومه" الخ. واشتراطه "الحجي" تأكيد لهذا المعنى أي لا يكونوا من أهل الغباوة والغفلة ممن يخفى عليهم بواطن الأمور، وليس هذا من باب الشهادة، ولكن من باب التبين والتعريف. وذلك أنه لا مدخل لعدد الثلاثة في شيء من الشهادات، فإذا قال نفر من قومه، أو جيرانه أو ذوى الخبرة بشأنه إنه صادق فيما يدعيه أعطى الصدقة. قال الخطابي: وفي قوله "أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها" دليل على جواز نقل الصدقة من بلد إلى أهل بلد آخر، وفيه إن الحد الذي ينتهي إليه العطاء في الصدقة هو الكفاية التي يكون بها قوام العيش وسداد الخلة، وذلك يعتبر في كل إنسان بقدر حاله ومعيشته ليس في حد معلوم يحمل عليه الناس كلهم مع اختلاف

<<  <  ج: ص:  >  >>