فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوداً بيده ثم قال:"اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يوماً" فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاءه وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها طعاماً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في يوم وجهك يوم القيامة. إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذى غرم مفظع، أو لذى دم موجع)) . رواه أبوداود، وروى ابن ماجه إلى قوله "يوم القيامة".
ــ
اشتراه (فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوداً) أي أدخل في ذلك القدوم عوداً وأحكمه (بيده) الكريمة تفضلا، وإمتناعاً عليه (احتطب) أي اطلب الحطب وأجمع (ولا أرينك خمسة عشر يوماً) أي لا تكن هنا هذه المدة حتى لا أراك وهذا مما أقيم فيه المسبب مقام السبب، والمراد نهى الرجل عن ترك الاكتساب في هذه المدة، لا نهى نفسه عن الرؤية (نكتة) بضم النون وسكون الكاف أثر كالنقطة أي حال كونها علامة قبيحة أو أثراً من العيب (في وجهك يوم القيامة) أي على رؤس الأشهاد (إن المسألة لا تصلح) أي لا تحل ولا تجوز (لذي فقر مدقع) أي شديد يفضي بصاحبه إلى التراب لا يكون عنده ما بقي به من التراب (أو لذى غرم مفظع) أي فظيع شنيع ثقيل (أو لذي دم موجع) بكسر الجيم أي مؤلم وهو أن يتحمل دية فيسعى فيها حتى يؤديها إلى أولياء المقتول، فإن لم يؤديها قتل المحتمل عنه فيوجعه قتله. قال المنذري: ذو الدم الموجع هو الذي يتحمل دية عن قريبه أو حميمه أو نسيبه القاتل يدفعها إلى أولياء المقتول، ولو لم يفعل قتل قريبه أو حميمه الذي يتوجع لقتله -انتهى. وفي الحديث من الفقة جواز بيع المزايدة وهذا ليس بالسوم على سوم أخيه لأن السوم، هو أن يقف الراغب والبائع على البيع ولم يعقداه، فيقول الآخر للمبائع أنا أشتريه وهذا حرام بعد استقرار الثمن، وأما السوم بالسلعة التي تباع لمن يزيد فليس بحرام. وفيه الأكل من عمل يده، والأمر بالاكتساب بالمباحات كالحطب والحشيش النابتين في موات. وفيه جواز المسألة لهؤلاء الثلاثة (رواه أبوداود) في الزكاة. وأخرجه أيضاً أحمد والبيهقي (ج٧:ص٢٥) و (روى ابن ماجه) أي في باب المزايدة من أبواب النجارات (إلى يوم القيامة) هذا سهو من المصنف، فإن ابن ماجه روى الحديث بطوله إلى قوله دم موجع، وأخرج الترمذي والنسائي في البيوع من هذا الحديث قصة بيع القدح فقط. والحديث سكت عنه أبوداود وحسنه الترمذي، وقال لا نعرفه إلا من حديث الأخضر بن عجلان عن أبي بكر عبد الله الحنفي عن أنس، وعله ابن القطان بجهل حال أبي بكر الحنفي ونقل عن البخاري أنه قال: لا يصح حديثه كذا في التلخيص (ص٢٣٧) .