قد أضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما، فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة، إنبسطت عنه. وجعل البخيل كلما هم بصدقة، قلصت وأخذت، كل حلقة بمكانها)) .
ــ
على الجنة بالنون مجازاً غير بعيد، فينبغي أن يكون الجنة بالنون هو المراد في الروايتين (قد اضطرت أيديهما) قال القسطلاني: بفتح الطاء ونصب التحتية الثانية من أيديهما عند أبي ذر على المفعولية ولغيره بضم الطاء وسكون التحتية مرفوع نائب عن الفاعل. وقال القاري: بضم الطاء أي شدت وضمت والصقت، وفي نسخة بفتح الطاء ونصب أيديهما على أن ضمير الفعل إلى جنس الجنة المفهوم من التثنية (إلى ثديهما) بضم المثلثة وكسر الدال المهملة وتشديد المثناة التحتية جمع ثدى بفتح فسكون (وتراقيهما) بفتح مثناة فوق وكسر قاف جمع ترقوة بفتح التاء المثناة وسكون الراء وضم القاف وفتح الواو، وهما العظمان المشرفان في أعلى الصدر من رأس المنكبين إلى طرف ثغرة النحر (فجعل) أي طفق (المتصدق كلما تصدق) أي هم يتصدق بصدقة (إنبسطت) أي انتشرت الجنة واتسعت وسبغت (عنه) أي عن المتصدق زاد في رواية حتى تغشى أنامله (بفتح الشين المعجمة أي تسترها) وتعفو أثره (بنصب الراء أي تستر أثره، ويقال عفا الشيء وعفوته أنا، لازم ومتعد، ويقال عفت الدار إذا غطاها التراب. والمعنى إن الصدقة تستر خطاياه كما يغطي الثوب الذي يجر على الأرض أثر صاحبه إذا مشى بمرور الذيل عليه) . (هم بصدقة) أي قصد إليها (قلصت) بالقاف واللام المخففة والصاد المهملة المفتوحات أي انضمت وانجمعت وانقبضت جنته عليه (وأخذت كل حلقة) بسكون اللام من الجنة (بمكانها) يعني اشتدت والتصقت الحلق بعضها ببعض، والباء زائدة. قال التوربشتي: معنى الحديث إن الجواد الموفق إذا هم بالصدقة اتسع لذلك صدره وطاوعته نفسه انبسطت بالبذل والعطاء يداه كالذي لبس درعاً فاسترسلت عليه، وأخرج منها يديه فانبسطت حتى خلصت إلى ظهور قدميه فاجنته وحصنته، وإن البخيل إذا أراد الإنفاق حرج به صدره واشمأزت عنه نفسه، وانقبضت عنه يداه كالذي أراد أن يستجن بالدرع وقد غلت يداه إلى عنقه فحال ما ابتلى به بينه وبين ما يبتغيه فلا يزيده لبسها إلا ثقلاً، ووبالاً والتزاماً في العنق والتواء وأخذاً بالترقوة -انتهى. وقال الحافظ في الفتح: قال الخطابي وغيره: وهذا مثل ضرب النبي صلى الله عليه وسلم للبخيل والمتصدق فشبهما برجلين أراد كل واحد منهما أن يلبس درعاً يستتر به من سلاح عدوه فصبها على رأسه ليلبسها، والدروع أول ما تقع على الصدر والثديين إلى أن يدخل الإنسان يديه في كميها، فجعل المنفق كمن لبس درعاً سابغة فاسترسلت عليه حتى سترت جميع بدنه، وهو معنى قوله حتى تعفو أثره أي تستر جميع بدنه. وجعل البخيل كمثل رجل غلت يداه إلى عنقه كلما أراد لبسها اجتمعت في عنقه فلزمت ترقوته، وهو معنى قوله قلصت أي تضامت واجتمعت. والمراد إن الجواد إذا هم بالصدقة إنفسخ لها صدره وطابت نفسه فتوسعت في الإنفاق أي وطاوعت يداه بالإنفاق فامتدتا بالعطاء، والبخيل