١٩٥٧ - (١٠) وعن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك)) . رواه مسلم.
ــ
و"من" المتعلقة بأفعل التفضيل (باباً) نصب على التمييز أي أشدهما قرباً. قيل: الحكمة فيه إن الأقرب يرى ما يدخل في بيت جاره من هدية وغيرها يعني أنه أكثر اختلاطاً أو أظهر إطلاعاً فيتشوف لها بخلاف إلا بعد، وإن الأقرب أسرع إجابة لما يقع لجاره من المهمات وينوبه من النوائب، ولاسيما في أوقات الغفلة بديء به على من بعد. وفي الحديث الاعتبار في الجوار بقرب الباب لأقرب الجدار. قال ابن أبي جمرة: الإهداء إلى الأقرب مندوب، لأن الهدية في الأصل ليست واجبة، فلا يكون الترتيب فيها واجباً. ويؤخذ منه إن العمل بما هو أعلى أولى. قلت: ليس المراد من الحديث إنحصار الإهداء إلى الأقرب كما هو ظاهر الحديث، بل المراد إن الجار الأقرب أنسب بالإبتداء أو بمزيد الإحسان، لقوله تعالى:{والجار ذي القربى والجار الجنب}[النساء:٣٦] ولحديث أبي ذر الآتي واختلف في حد الجوار فجاء عن علي رضي الله عنه: من سمع النداء فهو جار، وعن عائشة: حد الجوار أربعون داراً من كل جانب، وعن كعب بن مالك عند الطبراني بسند ضعيف مرفوعاً إلا أن الأربعين داراً جار، وأخرج ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أربعون داراً عن يمينه وعن يساره ومن خلفه ومن بين يديه. وهذا يحتمل كالأولى ويحتمل أن يريد التوزيع فيكون من كل جانب عشرة (رواه البخاري) في الشفعة وفي الهبة وفي الأدب، وأخرجه أيضاً أحمد وأبوداود في الأدب.
١٩٥٧- قوله:(إذا طبخت) بفتح الباء (مرقة) أي فيها لحم أو لا والمرقة بالتحريك وكذا المرق الماء الذي أغلي فيه اللحم أو غيره كالسلق وغيره (فأكثر) أمر من الإكثار (ماءها) أي على المعتاد لنفسك (وتعاهد جيرانك) بكسر الجيم وسكون الياء جمع الجار يعني أعط جيرانك من ذلك الطبيخ نصيباً يعني لا تجعل ماء قدرك قليلاً فإنك حينئذٍ لا تقدر على تعهد جيرانك بل اجعل ماء قدرك كثير التبلغ نصيباً منه إلى جيرانك، وإن لم يكن لذيذاً قاله المظهر. وقال التوربشتي: قوله تعهد جيرانك أي تفقدهم بزيادة طعامك وجدد عهدك بذلك، وتحفظ به حق الجوار. والتعهد التحفظ بالشيء وتجديد العهد به، والتعاهد ما كان بين اثنين من ذلك، يقال تعاهد الشيء وتعهده واعتهده، أي تحفظ به وتفقده وجدد العهد به (رواه مسلم) في البر وأخرجه أيضاً أحمد (ج٥ ص١٤٩) والترمذي وابن ماجه في الأطعمة وابن حبان بألفاظ مختلفة متقاربة.