بخير الناس؟ رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله، ألا أخبركم بالذي يتلوه؟ رجل معتزل في غنيمة له يؤدي حق الله فيها.
ــ
النافية واستفهام التقرير، ويكون لفظ بلى مقدراً. قال الباجي: وقد علن أنهم يوردون ذلك على سبيل التنبيه لهم على الإصغاء إليه والإقبال على ما يخبر به والتفرغ لفهمه (بخير الناس) أي بمن هو من خير الناس، وكذلك قوله "بشر الناس" أي بمن هو من شر الناس. وقيل: أطلق للمبالغة في الحث على الأول والتحذير الثاني، وفي الموطأ ألا أخبركم بخير الناس منزلاً. قال الباجي: أي أكثرهم ثواباً وأرفعهم درجة. قال عياض: وهذا عام مخصوص وتقديره من خير الناس، وإلا فالعلماء الذين حملوا الناس على الشرائع والسنن وقادوهم إلى الخير أفضل وكذا الصديقون كما جاءت به الأحاديث ويؤيده إن في رواية للنسائي: إن من خير الناس رجلاً عمل في سبيل الله على ظهر فرسه بمن التي للتبعيض - انتهى. قال الحافظ وفي رواية للحاكم (ج٢ ص٧١) سئل أي المؤمنين أكمل إيماناً، قال: الذي يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله الخ. وكأن المراد بالمؤمن من قام بما تعين عليه القيام به، ثم حصل هذه الفضيلة، وليس المراد من اقتصر على الجهاد وأهمل الواجبات العينية، وحينئذٍ فيظهر فضل المجاهد لما فيه من بذل نفسه وماله لله تعالى، ولما فيه من النفع المتعدي (رجل) بالرفع على تقدير هو وبالجر على البدلية (ممسك) صفة رجل (بعنان) بكسر العين لجام (فرسه) وفي رواية آخذ برأس فرسه (في سبيل الله) وفي الموطأ رجل آخذ بعنان فرسه يجاهد في سبيل الله. قال الباجي: يريد والله أعلم أنه مواظب على ذلك ووصفه بأنه آخذ بعنان فرسه يجاهد في سبيل الله بمعنى أنه لا يخلو في الأغلب من ذلك راكباً له، أو قائداً معظم أمره ومقصوده من تصرفه فوصف بذلك جميع أحواله، وإن لم يكن آخذاً بعنان فرسه في كثير منها - انتهى. (بالذي يتلوه) أي يتبعه ويقربه في الخيرية، وفي رواية بالذي يليه، وفي الموطأ ألا أخبركم بخير الناس منزلاً بعده. قال الباجي وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفضل المنازل ونص عليها ورغب فيها من قوى عليها وأخبر بعد ذلك من قصر عن هذه الفضيلة وضعف عنها، فليس كل الناس يستطيع الجهاد ولا يقدر على أن يكون آخذاً بعنان فرسه فيه، ففي الناس ضعيف والكبير وذو الحاجة والفقير (رجل معتزل) أي متباعد عن الناس منفرد عنهم إلى موضع خال من البوادي والصحاري (في غنيمة له) أي مثلاً وهو تصغير غنم وهو مؤنث سماعي ولذلك صغرت بالتاء، والمراد قطعة غنم (يؤدي حق الله فيها) وفي رواية مالك: يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً. وللدارمي والنسائي: معتزل في شعب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعتزل شرور الناس. قال الباجي: فمنزلة هذا منزلة بعد منزلة المجاهد من أفضل المنازل لأداء الفرائض وإخلاصه لله تعالى العبادة وبعده عن الرياء والسمعة. إذا خفي ولم يكن ذلك شهرة له، ولأنه لا يؤذي أحداً ولا يذكره ولا تبلغ درجته درجة المجاهد، لأن المجاهد يذب عن المسلمين