للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قال الله تعالى: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به،

ــ

واللام عوض عن العائد إلى المبتدأ، وهو كل أو العائد محذوف أي الحسنة منه، وقال القاضي البيضاوي: أراد بكل عمل الحسنات من الأعمال فلذلك وضع الحسنة في الخبر موضع الضمير الراجع إلى المبتدأ وقوله (إلا الصوم) مستثنى من كلام غير محكى دل عليه ما قبله، والمعنى إن الحسنات يضاعف أجرها من عشر أمثالها إلى سبع مأة ضعف إلا الصوم فلا يضاعف إلى هذا القدر بل ثوابه لا يقدر قدره، ولا يحصيه إلا الله تعالى. ولذلك يتولى الله جزاءه بنفسه ولا يكله إلى غيره - انتهى. وفيه أنه يحتمل أن يكون أول الكلام حكاية إلا أنه لم يصرح بذلك في صدره بل في وسطه قال الحافظ: أما قول البيضاوي إن الاستثناء من كلام غير محكى، ففيه نظر. فقد يقال هو مستثنى من كل عمل وهو مروي عن الله لقوله في أثناء الحديث قال الله تعالى، ولما لم يذكره في صدر الكلام أورده في أثناءه بياناً وفائدته تفخيم شأن الكلام وأنه - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى - انتهى. (فإنه لي وأنا أجزي به) بفتح الهمزة وكسر الزاي يعني إن الصوم سر بيني وبين عبدي يفعله خالصاً لوجهي لا يطلع عليه العباد؛ لأن الصوم لا صورة له في الوجود بخلاف سائر العبادات وأنا العالم بجزاءه أتولى بنفسي إعطاء جزاءه لا أكله إلى غيري، وفيه إشارة إلى تفخيم العطاء وتعظيم الجزاء وإن مضاعفة جزاء الصوم من غير عدد ولا حساب. قال السندي: قد ذكروا لقوله: فإنه لي وأنا أجزي به معاني (بلغها أبوالخير الطالقاني في حظائر القدس له إلى خمسة وخمسين قولاً) لكن الموافق للأحاديث أنه كناية عن تعظيم جزاءه وأنه لا حد له، وهذا هو الذي تفيده المقابلة بما قبله في هذا الحديث وهو الموافق لقوله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر:١٥] وذلك لأن اختصاصه من بين سائر الأعمال بأنه مخصوص بعظيم لا نهاية لعظمته ولا حد لها، وإن ذلك العظم هو المستولى لجزاءه مما ينساق الذهن منه إلى أن جزاءه مما لا حد له. ويمكن أن يقال على هذا معنى قوله "لي أي أنا منفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيفه، وبه تظهر المقابلة بينه وبين ما جاء في بعض الأحاديث من قوله كل عمل ابن آدم له إلا الصيام هو لي أي كل عمله له بإعتبار أنه عالم بجزاءه ومقدار تضعيفه إجمالاً لما بين الله تعالى فيه إلا الصوم، فإنه الصبر الذي ما حد لجزاءه حداً. بل قال: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر:١٠] انتهى. وقال الحافظ: قد اختلف العلماء في المراد بهذا مع أن الأعمال كلها الله تعالى وهو الذي يجزي بها على أقوال، ثم ذكر الحافظ عشرة أقوال. أحدها إن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره حكاه المأزري ونقله عياض عن أبي عبيد. قال أبوعبيد: في غريبة إن أعمال البر كلها لله وهو الذي يجزي بها فنرى والله أعلم. إنه إنما خص الصيام لأنه ليس يظهر من ابن آدم بفعله، وإنما هو شيء في القبل. ويؤيد هذا التأويل قوله - صلى الله عليه وسلم -: ليس في الصيام رياء حدثنية شبابة عن عقيل عن الزهري فذكره مرسلاً. قال: وذلك لأن الأعمال لا تكون إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>