صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة يغلق منها باب، وينادى مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ?
ــ
الكون ناقص (صفدت) بضم الصاد المهملة وكسر الفاء المشددة أي شدت وأوثقت بالأصفاد وهي الأغلال وهو بمعنى سلسلت (الشياطين) وفي الحديث الذي يليه وتغل فيه مردة الشياطين، وفي حديث رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أحمد والنسائي ويصفد فيه كل شيطان مريد (ومردة الجن) جمع مارد كطلبة وجهلة وهو العاتي الشديد وقال القاري: هو المتجرد للشر ومنه إلا مرد لتجرده عن الشعر وهو تخصيص بعد تعميم أو عطف تفسير وبيان كالتتميم. وقال المنذري في الترغيب: ولابن خزيمة صفدت الشياطين مردة الجن بغير واو (فلم يفتح منها باب) هو كالتأكيد لما قبله (وينادى مناد) قيل: يحتمل أنه ملك أو المراد أنه يلقي في قلوب من يريد الله إقباله على الخير كذا في قوت المغتدى. قال السندي: إن قلت أيّ فائدة في هذا النداء مع أنه غير مسموع للناس. قلت: قد علم الناس به بإخبار الصادق وبه يحصل المطلوب بأن يتذكر الإنسان كل ليلة بأنها ليلة المناداة فيتعظ بها (يا باغي الخير) أي طالب الخير (أقبل) أي على فعل الخير فهذا أو إنك فإنك تعطي جزيلاً بعمل قليل، وذلك لشرف الشهر. قال القاري: أي طالب العمل والثواب أقبل إلى الله تعالى وطاعته بزيادة الاجتهاد في عبادته، وهو أمر من الإقبال أي تعال فإن هذا أو إنك فإنك تعطى الثواب الجزيل بالعمل القليل أو معناه يا طالب الخير المعرض عنا وعن طاعتنا أقبل إلينا وعلى عبادتنا فإن الخير كله تحت قدرتنا وإرادتنا. قال العراقي: ظن ابن العربي إن قوله في الشقين يا باغي من البغي فنقل عن أهل العربية إن أصل البغي في الشر وأقله ما جاء في طلب الخير. ثم ذكر قوله تعالى:{غير باغٍ ولا عاد}[البقرة:١٧٣] وقوله: {يبغون في الأرض بغير الحق}[يونس:٢٣] والذي وقع في الآيتين هو بمعنى التعدي، وأما في هذا الحديث فمعناه الطلب، والمصدر منه بغي وبغاية بضم الباء فيهما قال الجوهري: بغيته أي طلبته - انتهى. قال شيخنا في شرح الترمذي: بعد ذكره قلت الأمر كما قال العراقي وكذلك في قوله تعالى: {ذلك ما كنا نبغ}[الكهف:٦٤] معناه الطلب (ويا باغي الشر أقصر) بفتح الهمزة وكسر الصاد من الإقصار وهو الكف عن الشيء مع القدرة عليه، فإن عجز عنه يقول قصرت عنه بلا آلف أي يأمن يسرع ويسعى في المعاصي. وقال القاري: أي يأمر يد المعصية أمسك عن المعاصي وأرجع إلى الله تعالى فهذا أو إن قبول التوبة وزمان الاستعداد للمغفرة ولعل طاعة المطيعين وتوبة المذنبين ورجوع المقصرين في رمضان من أثر الندائين ونتيجة إقبال الله تعالى على الطالبين، ولهذا ترى أكثر المسلمين صائمين حتى الصغار والجوار بل غالبهم الذين يتركون الصلاة يكونون حينئذٍ مصلين مع أن الصوم أصعب من الصلاة، وهو يوجب ضعف البدن الذي يقتضي الكسل عن العبادة وكثرة النوم عادة ومع ذلك ترى المساجد معمورة وبإحياء الليل مغمورة والحمد لله