يوم الشك إلا تطوعاً، وهذه المسألة على وجوه. أحدها: أن ينوي صوم رمضان وهو مكروه (أي تحريماً وهذا هو محمل النهي عن صوم يوم الشك عندهم) ثم إن ظهر أن اليوم من رمضان يجزئه وإن ظهر أنه من شعبان كان تطوعاً، وإن أفطر (أي أفسده) لم يقضه. والثاني: أن ينوي عن واجب آخر (كنذر وكفارة وقضاء) وهو مكروه أيضاً إلا أن هذا دون الأول في الكراهة (يعني أنه مكروه تنزيهاً) ثم إن ظهر أنه من رمضان يجزيه لأصل النية، وإن ظهر أنه من شعبان فقد قيل يكون تطوعاً، وقيل: يجزيه عن الذي نواه وهو الأصح. والثالث: أن ينوي التطوع وهو غير مكروه، والمراد بقوله - صلى الله عليه وسلم - لا تتقدموا رمضان بصوم يوم ولا بصوم يومين نهي التقدم بصوم رمضان، لأنه يؤديه قبل أوانه. ثم إن وافق صوماً كان يصومه فالصوم أفضل بالإجماع، وكذا إذا صام ثلاثة أيام من آخر الشهر فصاعداً وإن افرده، فقيل الفطر أفضل احترازاً عن ظاهر النهي. وقيل: الصوم أفضل إقتداء بعلي وعائشة فإنهما كان يصومانه. والمختار أن يصوم المفتي بنفسه أخذاً بالإحتياط ويفتي العامة بالتلوم إلى وقت الزوال ثم بالإفطار نفياً للتهمة - انتهى مختصراً. وقال السندي: حمل حديث عمار هذا علماءنا الحنفية على أن يصوم بنية رمضان شكاً أو جزماً. وأما إذا جزم بأنه نفل فلا كراهة، وبعضهم قال بالكراهة مطلقاً، والحكم بأنه عصى تغليظ على تقدير القول بالكراهة - انتهى. قلت والراجح عندي: إن يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا كانت السماء مغيمة في ليلته ولم ير الهلال أو تحدث الناس برؤيته بلا ثبت أو شهد بها من لم تقبل شهادته، ولا يجوز صومه لا بنية رمضان شكاً أو جزماً ولا بنية النفل إلا أن يوافق صوماً كان يصومه وله صومه عن قضاء أو كفارة أو نذر، وإذا صامه بنية رمضان وصادف أنه من رمضان لم يجزئه وكذا إذا صامه عن واجب آخر أو تطوعاً والله تعالى أعلم. قال الشوكاني في النيل: قد استدل بهذه الأحاديث (أي بحديث عمار، وبأحاديث الأمر بالصوم برؤية الهلال، وبأحاديث النهي عن استقبال رمضان بالصوم، وبأحاديث النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين) على المنع من صوم يوم الشك. قال: وذهب جماعة من الصحابة إلى صومه، منهم علي وعائشة وعمر وابن عمر وأنس بن مالك وأسماء بنت أبي بكر وأبوهريرة ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم. وجماعة من التابعين، فذكر أسماءهم وذكر أدلة المجوزين لصومه وتكلم عليها، وليس فيها ما يفيد مطلوبهم ثم قال: قال ابن عبد البر: وممن روى عن كراهة صوم يوم الشك عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعمار بن ياسر وابن مسعود وحذيفة وابن عباس وأبوهريرة وأنس بن مالك. ثم قال والحاصل أن الصحابة مختلفون في ذلك. وليس قول بعضهم بحجة على أحد، والحجة ما جاءنا عن الشارع وقد استوفيت الكلام على هذه المسألة في الأبحاث التي كتبتها على رسالة الجلال. وقال