للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) .

ــ

قول الكفر وشهادة الزور والإفتراء والغيبة والبهتان والقذف والسب والشتم واللعن وأمثالها مما يجب على الإنسان إجتنابها ويحرم عليه ارتكابها (والعمل) بالنصب (به) أي بالزور يعني الفواحش من الأعمال لأنها في الإثم كالزور. وقال الطيبي: هو العمل بمقتضاه من الفواحش وما نهى الله عنه، وزاد في رواية البخاري في الأدب والجهل، ولابن ماجه من لم يدع قول الزور، والجهل والعمل به فالضمير في "به" يعود على الجهل لكونه أقرب مذكور أو على الزور فقط وإن بعد لإتفاق الروايات عليه أو عليهما، وأفرد الضمير لاشتراكهما في تنقيص الصوم قاله العراقي. وقال الحافظ: الضمير في رواية ابن ماجه يعود على الجهل، وفي رواية البخاري يعود على قول الزور والمعنى متقارب. والمراد بالجهل السفة. وقيل: أي صفات الجهل أو أحوال الجهل والمعاصي كلها عمل بالجهل فيدخل الغيبة فيها، وفي الأوسط للطبراني بسند رجاله ثقات من حديث أنس من لم يدع الخنى والكذب. قال السندي: قيل يحتمل أن المراد من لم يدع ذلك مطلقاً غير مقيد بصوم أي من لم يترك المعاصي ماذا يصنع بطاعته، ويحتمل أن المراد من لم يترك حالة الصوم وهو الموافق لبعض الروايات - انتهى. ويشير بذلك إلى ما وقع في رواية للنسائي والجهل في الصوم (فليس لله حاجة) أي التفات ومبالاة وهو مجاز عن عدم القبول بنفي السبب وإرادة نفي المسبب وإلا فلا حاجة لله تعالى إلى عبادة أحد (في أن يدع طعامه وشرابه) فإنهما مباحان في الجملة فإذا تركهما وارتكب أمراً حراماً من أصله استحق المقت وعدم القبول طاعته في وقت فإن المطلوب منه ترك المعاصي مطلقاً لا تركاً دون ترك. قال القاضي البيضاوي: ليس المقصود من شرعية الصوم نفس الجوع والعطش بل ما يتبعه من كسر الشهوات وتطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة، فإذا لم يحصل ذلك لا ينظر الله إليه نظر القبول، فقوله "ليس لله حاجة" مجاز عن عدم قبول فنفي السبب وأرادة المسبب وإلا فالله تعالى لا يحتاج إلى شيء. وقال ابن بطال: ليس معناه يؤمر بأن يدع صيامه وإنما معناه التحذير من قول الزور، وما ذكر معه وهو مثل قوله من باع الخمر فليشقص الخنازير أي يذبحها ولم يأمره بذبحها ولكنه على التحذير والتعظيم لإثم بائع الخمر، وكذلك حذر الصائم من قول الزور والعمل به ليتم له أجر صيامه - انتهى. وأعلم أن الجمهور على أن الكذب والغيبة والنميمة لا تفسد الصوم، وعن الثوري والأوزاعي إن الغيبة تفسده والراجح الأول. نعم هذه الأفعال تنقص الصوم وقول بعضهم أنها صغائر تكفر باجتناب الكبائر أجاب عنه الشيخ تقي الدين السبكي بأن في حديث الباب والذي مضى في أول الصوم دلالة قوية لذلك أي لقول الجمهور، لأن الرفث والصخب وقول الزور والعمل به مما علم النهي عنه مطلقاً. والصوم مأمور به مطلقاً فلو كانت هذه الأمور إذا حصلت فيه لم يتأثر بها لم يكن لذكرها فيه مشروطة به معنى نفهمه، فلما ذكرت في هذين الحديثين نبهتنا على أمرين

<<  <  ج: ص:  >  >>