الصوم كما يفسده الجماع وكما ثبت عندهم إن أوائل الشرب لا يفسد الصيام فكذلك أوائل الجماع كذا في الفتح. الرابع التفصيل فتكره للشاب وتباح للشيخ وهو مشهور عن ابن عباس أخرجه مالك وسعيد بن منصور وغيرهما وجاء فيه ثلاثة أحاديث مرفوعة، أخرج أحدها أبوداود من حديث أبي هريرة. وسيأتي في الفصل الثاني. والثاني أحمد (ج٢ ص١٨٥) والطبراني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، قال كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء شاب. فقال: أقبل يا رسول الله: وأنا صائم قال لا، قال فجاء شيخ فقال أقبل وأنا صائم قال نعم فنظر بعضنا إلى بعض فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: قد علمت لم نظر بعضكم إلى بعض إن الشيخ يملك نفسه، وفي إسناده ابن لهيعة مختلف في الاحتجاج. والثالث البيهقي (ج٤ ص٢٣٢) من حديث عائشة. قال الزرقاني والقسطلاني: بإسناد صحيح إن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص في القبلة للشيخ وهو صائم ونهى عنها الشاب. وقال: الشيخ يملك إربه، والشاب يفسد صومه والخامس إن ملك نفسه جازت له وإلا فلا كما أشارت إليه عائشة في حديث الباب. قال الترمذي: ورأى بعض أهل العلم إن للصائم إذا ملك نفسه أن يقبل وإلا فلا، ليسلم له صومه وهو قول سفيان الثوري والشافعي - انتهى. قلت: وهو قول أبي حنيفة. قال محمد بن الحسن في موطأه: لا بأس بالقبلة للصائم إذا ملك نفسه بالجماع فإن خاف أن لا يملك نفسه فالكف أفضل وهو قول أبي حنيفة والعامة قبلنا - انتهى. وهو قول أحمد أيضاً قال ابن قدامة (ج٣ ص١١٢) المقبل إذا كان ذا شهوة مفرطة بحيث يغلب على ظنه أنه إذا قبل أنزل لم تحل له القبلة؛ لأنها مفسدة لصومه فحرمت كالأكل وإن كان ذا شهوة لكن لا يغلب على ظنه ذلك كره له التقبيل لأنه يعرض صومه للفطر ولا يأمن عليه الفساد ولا تحرم القبلة في هذه الحال لحديث عطاء بن يسار الآتي. ولأن إفضاءه إلى إفساد الصوم مشكوك فيه، ولا يثبت التحريم بالشك. فأما إن كان ممن لا تحرك القبلة شهوته كالشيخ الهرم ففيه روايتان أحدهما لا يكره له ذلك وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل وهو صائم لما كان مالكاً لإربه وغير ذي الشهوة في معناه. والثانية يكره لأنه لا يأمن حدوث الشهوة، فأما اللمس لغير شهوة كلمس يدها ليعرف مرضها فليس بمكروه بحال، لأن ذلك لا يكره في الإحرام فلا يكره في الصيام كلمس ثوبها - انتهى مختصراً. وفي الروض المربع تكره القبلة ودواعي الوطى لمن تحرك شهوته، لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عنها شاباً. ورخص لشيخ وغير ذي الشهوة في معنى الشيخ - انتهى مختصراً. قلت: واستدل لهذا القول بما رواه مسلم من طريق عمر بن أبي سلمة وهو ربيب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيقبل الصائم؟ فقال: سل هذه لأم سلمة فأخبرته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك فقال: يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له. قال الحافظ بعد ذكره: دل ذلك على أن الشاب والشيخ سواء، لأن عمر حينئذٍ كان