قال:((فلقيت ثوبان في مسجد دمشق، فقلت: إن أباالدرداء حدثني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاء فأفطر. قال: صدق، وأنا صببت له وضوءه)) .
ــ
الطحاوي (ص٣٤٨) ليس فيه دليل على أن القيء كان مفطراً له، إنما فيه أنه قاء فأفطر بعد ذلك. قال: يجوز أن يكون قوله: "قاء فأفطر" أي قاء فضعف فأفطر. وقال الترمذي: معناه إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان صائماً متطوعاً فقاء فضعف، فأفطر لذلك هكذا روى في بعض الحديث مفسراً - انتهى. وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي:(ج١ ص١٤٦) لو كانت الفاء للسببية لم تدل أيضاً على نقض الصوم بالقيء؛ لأنه قد يفطر الإنسان لما ينوبه من الضعف والتراخي مما لا يستطيع معه إحتمال مشقة الصوم أو خشية الضرر والمرض، فالقيء سبب له. ولكنه سبب عادي طبيعي، ولا يكون سبباً شرعياً إلا بنص صريح من الشارع - انتهى. وبهذا يندفع ما قال ابن المنير متعقباً على الطحاوي، من أن الحكم إذا عقب بالفاء دل على أنه العلة كقولهم سها فسجد. ومنها إن قوله قاء أي عمداً لما تقدم من أن من ذرعه ليس عليه قضاء. قال البيهقي (ج٤ ص٢٢٠) هذا حديث مختلف في إسناده فإن صح فهو محمول على أنه تقيأ عامداً. وكأنه - صلى الله عليه وسلم - كان متطوعاً بصومه - انتهى. وقال الحافظ في التلخيص (ص١٨٨) حديث أبي درداء إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاء فأفطر أي استقاء. وقال في الفتح: ويمكن الجمع بين قول أبي هريرة إذا قاء لا يفطر وبين قوله أنه يفطر بما فصل في حديثه المرفوع المتقدم، فيحتمل قوله إذا قاء يفطر أنه تعمد القيء. واستدعى به وبهذا أيضاً يتأول قوله في حديث أبي الدرداء الذي أخرجه أصحاب السنن مصححاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاء فأفطر أي استقاء عمداً وهو أولى من تأويل من أوله بأن المعنى قاء فضعف فأفطر والله أعلم - انتهى. قلت: ويؤيد حمل قوله قاء على القيء عامداً رواية أحمد (ج٦ ص٤٤٩) بلفظ: عن أبي الدرداء قال استقاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأفطر فأتى بماء فتوضأ (فلقيت ثوبان) مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (صدق) أي أبو الدرداء (وأنا صببت له) أي للنبي - صلى الله عليه وسلم - (وضوءه) بالفتح أي ماء وضوءه، وهذا يدل على أن الوضوء وإن لم يذكر في اللفظ بعد قوله قاء لكنه ثابت في المعنى لأن قول ثوبان تصديقاً لأبي الدرداء "صدق وأنا صببت له وضوءه" دليل على أن الوضوء مذكور في أصل الحديث، وإن اختصر في الرواية لأن ثوبان يؤكد الرواية بأنه هو الذي صب له الوضوء بعد القيء، وأما رواية الترمذي في الطهارة بلفظ: قاء فتوضأ ففي كون لفظ فتوضأ فيها محفوظاً نظر، فإن حديث أبي الدرداء هذا ذكره الترمذي في الصيام بلفظ: قاء فأفطر وبهذا اللفظ رواه أحمد (ج٥ ص١٩٥- ٢٧٧وج٦ ص٤٤٣- ٤٤٩) وأبوداود والنسائي في الكبرى وابن حبان والطبراني وابن منده كما في التلخيص (ص١٨٨) والحاكم (ج١ ص٢٢٦) والطحاوي (ج١ ص٣٤٧- ٣٤٨) والدارقطني (ص٥٧- ٥٨- و٢٣٨) وابن الجارود (ص١٥) والبيهقي (ج١ ص١٤٤وج٤ ص٢٢٠) واختلفت نسخ الترمذي في رواية كتاب الطهارة