أو ذاك. قال الباجي: هذا أصل في استعمال ما يتقوى به الصائم على صومه مما لا يقع به الفطر من التبرد بالماء والمضمضة به، لأن ذلك يعينه على الصوم ولا يقع به الفطر. وقال ابن الملك: هذا يدل على أن لا يكره للصائم أن يصب على رأسه الماء وأن ينغمس فيه وإن ظهرت برودته في باطنه. وقال الشوكاني: فيه دليل على أنه يجوز للصائم أن يكسر الحر يصب الماء على بعض بدنه أو كله. وقد ذهب إلى ذلك الجمهور ولم يفرقوا بين الاغتسال الواجبة والمسنونة والمباحة. وقالت الحنفية: يكره الاغتسال للصائم. واستدلوا بما أخرجه عبد الرزاق عن علي من النهى عن دخول الصائم الحمام وفي إسناده ضعف. كما قال الحافظ في الفتح - انتهى. وقال ابن الهمام: ولو اكتحل لم يفطر سواء وجد طعمه في حلقه. أو لا، لأن الموجود في حلقه أثره داخلاً من المسام، والمفطر الداخل من المنافذ كالمدخل والمخرج، لا من المسام الذي هو جميع البدن للاتفاق فيمن شرع في الماء يجد برده في باطنه أنه لا يفطر. وإنما كره أبوحنيفة ذلك أعنى الدخول في الماء والتلفف بالثوب المبلول، لما فيه من إظهار الضجر في إقامة العبادة لا لأنه قريب من الافطار- انتهى. قال القاري: كلام الإمام أبي حنيفة محمول على كراهة التنزيه، وخلاف الأولى، وهو عليه السلام فعل ذلك لبيان الجواز- انتهى. قلت: الكراهة حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل من الكتاب أو السنة، ولم يقم دليل على كراهة الدخول في الماء أو التلفف بالثوب المبلول، بل ثبت خلافه فالقول بكراهته مردود على قائله. وقال الكاساني في البدائع: أما الاستنشاق والاغتسال وصب الماء على الرأس والتلفف بالثوب المبلول فقد قال أبوحنيفة أنه يكره. وقال أبويوسف: لا يكره، واحتج بما روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صب على رأسه ماء من شدة الحر وهو صائم وعن ابن عمر (عند البخاري في صحيحه معلقاً وفي تاريخه موصولاً وكذا عند ابن أبي شيبة) أنه كان يبل الثوب ويتلفف به وهو صائم ولأنه ليس فيه إلا دفع أذى الحر فلا يكره كما لو استظل، ولأبي حنيفة إن فيه إظهار الضجر من العبادة والإمتناع عن تحمل مشقتها، وفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محمول على حال مخصوصة، وهي حال خوف الافطار من شدة الحر، وكذا فعل ابن عمر محمول على مثل هذه الحالة ولا كلام في هذه الحالة - انتهى. قلت: يحتاج هذا الحمل إلى قرينة وليس شيء هنا يدل على ذلك إلا قول أبي حنيفة بالكراهة مع أنها رواية عنه غير معتبرة، والفتوى عند الحنفية على قول أبي يوسف ففي الدر المختار لا تكره حجامة وتلفف بثوب مبتل، واستنشاق واغتسال للتبرد عند الثاني. وبه يفتي شرنبلالية عن البرهان. قال ابن عابدين لرواية أبي داود (يعني التي نحن في شرحها) ولفعل ابن عمر ولأن هذه الأشياء فيها عون على العبادة ودفع الضجر الطبيعي، وكذا حكى عليه الفتوى صاحب مراقى الفلاح وغيره. وقال العيني: كراهة الاغتسال للصائم رواية عن أبي حنيفة غير معتمد عليها، والمذهب المختار أنه لا يكره ذكره الحسن عن أبي حنيفة نبه عليه صاحب الواقعات، وذكر في الروضة وجوامع الفقة لا يكره الاغتسال وبل الثوب وصب الماء