وإنما ورد البيان على تقرير الرخصة فأتى بقضايا منسوقة في الذكر مختلفة في الحكم، وذلك لا تكاله على بيان التنزيل من قوله فعدة من أيام أخر ثم على علم المخاطبين بذلك-انتهى. (وعن المرضع) لم تدخله التاء للاختصاص مثل الحائض (والحبلى) أي إذا خافتا على الحمل والرضيع أو على أنفسهما ثم هل هو وضع إلى قضاء أو فداء أولا، إلى قضاء ولا فداء-الحديث. ساكت عنه فكل من يقول ببعضه لا بد له من دليل قاله السندي: قلت: حكى ابن قدامة والزرقاني اتفاق العلماء على وجوب القضاء من غير فدية، فيما إذا خافت الحامل والمرضع على أنفسهما. قال ابن قدامة (ج٣ص١٣٩) إن الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما فلهما الفطر. وعليهما القضاء فحسب، لا نعلم فيه بين أهل العلم اختلافا لأنهما بمنزلة المريض الخائف على نفسه. وقال الزرقاني: إذا خافتا على أنفسهما فلا فدية باتفاق أهل المذهب وهو إجماع، إلا عند من أوجب الفدية على المريض-انتهى. وأما إذا خافتا على ولديهما فقط. وأفطرتا فاختلفوا فيه على خمسة أقوال: أحدها يطعمان ولا قضاء عليهما وهو مروي عن ابن عمر وابن عباس، رواه أبوداود والبزار والدارقطني والبيهقي عن ابن عباس ومالك وابن أبي حاتم والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر وهو أحد أقوال مالك. والثاني: أنهما يقضيان فقط ولا إطعام عليهما. وبه قال عطاء والزهري والحسن وسعيد بن جبير والنخعي وأبوعبيد وأبوثور وأبوحنيفة وأصحابه والأوزاعي والثوري، واستدل لهم بحديث الباب. قال الجصاص: ووجه الدلالة على هذا إخباره عليه الصلاة والسلام بأن وضع الصوم عن الحامل والمرضع هو كوضعه عن المسافر، ألا ترى إن وضع الصوم الذي جعله من حكم المسافر هو بعينه جعله من حكم المرضع والحامل، لأنه عطفهما عليه من غير استئناف ذكر شيء غيره، فثبت بذلك إن حكم وضع الصوم عن الحامل والمرضع هو في حكم وضعه عن المسافر، لا فرق بينهما، ومعلوم إن وضع الصوم عن المسافر إنما هو على جهة إيجاب قضاءه بالإفطار من غير فدية، فوجب أن يكون ذلك حكم الحامل والمرضع، وفيه دلالة على أنه لا فرق بين الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو ولديهما، إذ لم يفصل النبي صلى الله عليه وسلم بينهما، وأيضا لما كانت الحامل والمرضع يرجى لهما القضاء، وإنما أبيح لهما الإفطار للخوف على النفس أو الولد مع إمكان القضاء وجب أن تكونا كالمريض والمسافر-انتهى. والثالث: إنهما يقضيان ويطعمان وهو المشهور من مذهب الشافعي وهو ثاني أقوال مالك، وإليه ذهب أحمد. والرابع: إن الحامل تقضي وتطعم، وبه قال الليث وهو المشهور من أقوال مالك لأن المرضع يمكن أن تسترضع لولدها بخلاف الحامل، ولأن الحمل متصل بالحامل فالخوف عليه كالخوف على بعض أعضاءها. والخامس: إنهما يطعمان ولا قضاء عليهما وإن شائتا ولا إطعام حكاه الترمذي عن إسحاق بن راهويه، فعنده لا يجمع بين القضاء والإطعام، فإذا أفطرت الحامل والمرضع قضتا ولا إطعام أو أطعمتا ولا قضاء.