فقد روى ابن وهب بسنده عن عائشة قالت ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - ناس يصومون شهر رجب فقال فأين هم من شعبان (وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد منها إن تكون) أي الطاعة (أخفى وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل لا سيما الصيام فإنه سر بين العبد وربه، ومنها إنه أشق على النفوس لأن النفوس تناسي بما تشاهد من أحوال بني الجنس فإذا كثرت يقظة الناس وطاعتهم سهلت الطاعات، وإذ أكثرت، الغفلات وأهلها نأسي بهم عموم الناس فيشق على النفوس المستيقظين طاعاتهم لقلة من يقتدي بهم) وأفضل العمل أشقة، ومنها أن المنفرد بالطاعة بين الغافلين قد يرفع به البلاء عن الناس. وقد روى في صيامه صلى الله عليه وسلم شعبان معنى آخر وهو أنه ننسخ فيه الآجال) أي تنقل وتفرد أسماء من يموت في تلك الليلة إلى مثلها من العام القابل عن أسماء من لم يمت من أم الكتاب فيكتب في صحيفة، ويسلم إلى ملك الموت (فروى) عند أبي يعلى والخطيب وغيرهما (بإسناد فيه ضعف عن عائشة قالت كان أكثر صيام النبي - صلى الله عليه وسلم - في شعبان فقلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! أرى أكثر صيامك في شعبان) وفي رواية أرى أحب الشهر إليك أن تصومه شعبان. (قال أن هذا الشهر يكتب فيه لملك الموت أسماء من يقبض فأحب أن لا ينسخ إسمي إلا وأنا صائم (وفي رواية أبي يعلى إن الله يكتب كل نفس ميتة تلك السنة فأحب أن يأتيني أجلي وأنا صائم أي يأتيني كتابة أجلي، وفيه إن كتابته في زمن عبادة يرجى لصاحبها الموت على الخير وإن من أولى تلك العبادة الصوم، لأنه يروض النفوس وينور الباطن ويفرغ القلب للحضور مع الله (وقد روى مرسلاً) عن التابعي بدون ذكر عائشة (وقيل إنه أصح) من وصله بذكرها (وقد قيل في صوم شعبان معنى آخر وهو إن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صيامه على مشقة وكلفة بل يكون قد تمرن الصيام وأعتاده، ووجد بصيام شعبان قبل رمضان حلاوة الصوم ولذته، فيدخل في رمضان بقوة ونشاط-انتهى. وأجاب النووي عن كونه لم يكثر من الصوم في المحرم مع قوله إن أفضل الصيام ما يقع فيه بأنه يحتمل أن يكون ما علم ذلك إلا في آخر عمره فلم يتمكن من كثرة الصوم في المحرم، أو اتفق له فيه من الاعذار بالسفر والمرض، مثلاً ما منعه من كثرة الصوم فيه. وأما حديث أنس المتقدم عند الترمذي فهو ضعيف كما سبق، فلا يقاوم حديث أفضيلة المحرم المخرج في صحيح مسلم. وقال ابن رجب في اللطائف بعد ذكر فضل صوم شعبان ما ملخصه: أفضل التطوع ما كان قريباً من رمضان قبله وبعد، وذلك يلتحق بصيام رمضان لقربه منه، وتكون منزلته من صوم رمضان بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، فليتحق بالفرائض في الفضل، وهي تكملة للفرائض. وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده فكما إن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة، فكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بعد منه، ويكون قوله:"أفضل الصيام بعد رمضان المحرم" محمولاً على التطوع المطلق بالصيام-انتهى. فتأمل. وسيأتي شيء من الكلام في ذلك في شرح الحديث الرابع من هذا الباب هذا، وزاد في رواية يحيى بن كثير في حديث الباب عند البخاري فإنه يصوم شعبان كله.