فقال عمر: يا رسول الله! كيف من يصوم الدهر كله، لا صام ولا أفطر، قال ويطبق ذلك أحد؟
ــ
أي حال من (يصوم الدهر كله) أي هل هو محمود أو مذموم، أنظر حسن الأدب حيث بدأه بالتعظيم ثم سأله على وجه التعميم، ولذا قيل حسن السؤال نصف العلم (لا صام ولا أفطر) قال الخطابي في المعالم (ج٢:ص١٢٩) معناه لم يصم ولم يفطر. وقد يوضع "لا" بمعنى "لم" كقوله تعالى {فلا صدق ولا صلى}[القيامة:٣١] أي لم يصدق. ولم يصل وقد يحتمل أن يكون معناه الدعاء عليه كراهة فصنيعه وزجراً له عن ذلك (لكونه مظنة لتفويت الحقوق الواجبة) وقال الجزري في النهاية: قوله "لا صام ولا أفطر" أي لم يصم ولم يفطر وهو إحباط لأجره على صومه حيث خالف السنة. وقيل: هو دعاء عليه كراهية لصنيعه. وقال التوربشتي: فسر هذا من وجهين أحدهما، على معنى الدعاء عليه زجراً له على صنيعه والآخر على سبيل الإخبار، والمعنى لم يكابد سورة الجوع وحر الظمأ لاعتياده الصوم حتى خف عليه، ولم يفتقر إلى الصبر على الجهد الذي يتعلق به الثواب، فصار كأنه لم يصم-انتهى. وحيث أنه لم ينل راحة المفطرين ولذتهم فكأنه لم يفطر (أو قال لم يصم ولم يفطر) وفي رواية "أو" ما صام وما أفطر، قال الحافظ بعد ذكر رواية الباب: هو شك من أحد رواته، ومقتضاه أنهما بمعنى واحد. والمعنى بالنفي أنه لم يحصل أجر الصوم لمخالفته ولم يفطر لأنه أمسك. وقال الشوكاني في السيل الجرار: حديث لا صام من صام الأبد في الصحيحين في حديث عبد الله بن عمرو، وكذلك حديث لا صام ولا أفطر أو لم يصم ولم يفطر في حديث أبي قتادة معناهما أنه لما خالف الهدى النبوى الذي رغب فيه صلى الله عليه وسلم كان بمنزلة من لم يصم صوماً مشروعاً يؤجر عليه ولا أفطر فطراً ينتفع به. ويؤيد أن هذا المعنى هو المراد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعبد الله بن عمرو، وقد كان أراد أن يصوم الدهر فقال له صم من كل شهر ثلاثة أيام فقال، إني أقوى من ذلك فلم يزل يرفعني حتى قام صم يوماً وأفطر يوماً، فإنه أفضل الصيام وهو صوم أخي داود. فقلت: إني أطبق أفضل من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أفضل من ذلك؟ هكذا في الصحيحين وغيرهما من حديثه. وقد ثبت في الصحيح من حديث أنس أنه - صلى الله عليه وسلم - قال للثلاثة الذين قال أحدهم أنه يصوم ولا يفطر. وقال الثاني أنه يقوم الليل ولا ينام. وقال الثالث أنه لا يأتي النساء، فقال - صلى الله عليه وسلم -: أما أنا فأصوم وأفطر وأقوم وأنام وآتي النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني. فهذا الحديث الصحيح يدل على أن صيام الدهر من المرغوب عن سننه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فليستحق فاعله ما رتبه عليه من الوعيد بقوله فمن رغب عن سنتي فليس مني. وقد أخرج أحمد وأبوداود وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي أخبره أنه يصوم الدهر من أمرك أن تعذب نفسك-انتهى كلام الشوكاني: