وفي الحديث دليل بين على استحباب صوم ستة أيام من شوال، وهو مذهب الشافعي وأحمد وداود، وبه قال عامة المتأخرين من الحنفية. وقال مالك وأبوحنيفة: يكره صومها. قال في البحر الزائق: ومن المكروه صوم ستة من شوال عند أبي حنيفة متفرقا كان أو متتابعا، وعن أبي يوسف كراهته متتابعاً لا متفرقاً، لكن عامة المتأخرين لم يروا به بأساً-انتهى. وقال ابن الهمام: صوم ست من شوال عن أبي حنيفة وأبي يوسف كراهته، وعامة المشائخ لم يروا به بأساً-انتهى. قال السندي: ولعل القائل بالكراهة يؤول هذا الحديث بأن المراد هو كصوم الدهر في الكراهة، فقد جاء لا صيام لمن صام الأبد ونحوه، مما يفيد كراهة صوم الدهر، لكن هذا التأويل مردود بما ورد في صوم ثلاث من كل شهر أنه صوم الدهر ونحوه. والظاهر أن صوم الدهر تحقيقاً مكروه، وما ليس بصوم الدهر إذا ورد فيه أنه صوم الدهر فهو محبوب-انتهى. قلت: واستدل للكراهة بأنه ربما ظن وجوبها. قال ابن الهمام: وجه الكراهة أنه قد يفضى إلى اعتقاد لزومها من العوام لكثرة المداومة-انتهى. وأجيب بأنه لا معنى لهذا التعليل بعد ثبوت النص بذلك وورود السنة الصحيحة الصريحة فيه، وأيضاً يلزم مثل هذا في سائر أنواع الصوم المندوب المرغب فيها ولا قائل به. قال النووي: قولهم قد يظن وجوبهن تقتضي بصوم عرفة وعاشوراء وغيرهما من الصوم المندوب. واستدل مالك بما قال في الموطأ من أنه لم ير أحداً من أهل العلم يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف وإن أهل العلم يكرهون ذلك. ولا يخفى أن الناس إذا تركوا العمل بسنة ثابتة لم يكن تركهم دليلا ترد به السنة. قال النووي: إذا ثبتت السنة لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم وما أحسن ما قاله ابن عبد البر أنه لم يبلغ مالكاً هذا الحديث. وقيل: لعله لم يصح هذا الحديث عنده. قال ابن رشد: وهو الأظهر. قلت: الحديث صحيح جداً. قال الشيخ الجزري: حديث أبي أيوب هذا لا يشك في صحته ولا يلتفت إلى كون الترمذي جعله حسناً ولم يصححه (على ما في بعض النسخ) . وقوله في سعد بن سعيد راوية عن عمر بن ثابت، وقد جمع الحافظ أبومحمد عبد المؤمن بن خلف المياطي طرقه، وأسنده عن قريب ثلاثين رجلاً رووه عن سعد بن سعيد أكثرهم ثقات حفاظ، وتابع سعداً في روايته أخواه عبدربه ويحيى وصفوان بن سليم وغيرهم. ورواه أيضاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبوهريرة وجابر وثوبان والبراء بن عازب وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم أجمعين كذا حكاه القاري عن الجزري. ثم نقل تخريج أحاديث هؤلاء الصحابة عن يارك وسنذكره أيضاً إن شاء الله. واعلم أن أجر صومها يحصل لمن صامها متفرقة أو متوالية، ومن صامها عقب العيد متصلاً أو في أثناء الشهر، وفي جامع الترمذي عن ابن المبارك أنه اختار أن يكون ستة أيام من أول شوال، وقد روى عنه أنه قال إن صام ستة أيام من شوال متفرقا فهو جائز. وقال النووي قال أصحابنا: والأفضل إن تصام الستة متوالية عقب يوم الفطر، فإن فرقها أواخرها عن أوائل الشهر إلى أواخره حصلت فضيلة المتابعة، لأنه يصدق أنه اتبعه ستا من شوال-انتهى.