وعلى التقديرين فظاهر الحديث كراهة الختم فيما دون ثلاث-انتهى. وعند سعيد بن منصور بإسناد صحيح من وجه آخر عن ابن مسعود إقرؤا القرآن في سبع ولا تقرؤه في أقل من ثلاث، ولأبي عبيد في فضائل القرآن من طريق عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يختم القرآن في أقل من ثلاث، وهذا اختيار أحمد كما في المغني (ج٢:ص١٧٤) وأبي عبيد وإسحاق بن راهويه، وثبت عن كثير من السلف إنهم قرأوا القرآن في دون ذلك. قال الحافظ: وكأن النهى عن الزيادة ليس على التحريم كما أن الأمر في جميع ما مر في الحديث ليس للوجوب، وعرف ذلك من قرائن الحال التي أرشد إليها السياق، وهو النظر إلى عجزه عن سوى ذلك في الحال أو في المآل. وأغرب بعض الظاهرية فقال: يحرم أن يقرأ القرآن. في أقل من ثلاث. وقال النووي: أكثر العلماء على أنه لا تقدير في ذلك، وإنما هو بحسب النشاط والقوة. قال والاختيار إن ذلك يختلف بالأشخاص فمن كان من أهل الفهم وتدقيق الفكر استحب له أن يقتصر على القدر الذي لا يختل به المقصود من التدبير، واستخراج المعاني. وكذا من كان له شغل بالعلم أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة يستحب له أن يقتصر على القدر الذي لا يخل بما هو فيه، ومن لم يكن كذلك فالأولى له الاستكثار ما أمكنه من غير خروج إلى الملل ولا يقرؤه هذرمة. قلت: والراجح عندنا هو ما ذهب إليه أحمد أنه يكره أن يقرأه في اقل من ثلاث لما مر من حديث يزيد بن عبد الله بن الشخير عن عبد الله بن عمرو، عند أبي داود والترمذي، ومن حديث ابن مسعود عند سعيد بن منصور ومن حديث عائشة عند أبي عبيده فهذه الأحاديث ظاهرة في التقدير والتحديد، فالصواب أن يتوقف عندها ولا يلتفت إلى ما يخالف ظاهرها من أقوال العلماء وعملهم والله تعالى أعلم. تنبيه المراد بالقرآن في حديث الباب جميعه ولا يرد على هذا أن القصة وقعت قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بمدة، وذلك قل أن ينزل بعض القرآن الذي تأخر نزوله، لأنا نقول سلمنا ذلك لكن العبرة بما دل عليه الإطلاق، وهو الذي فهم الصحابي فكان يقول ليتني لو قبلت الرخصة، ولا شك أنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أضاف الذي نزل آخراً إلى ما نزل أولاً فالمراد بالقرآن جميع ما كان نزل إذ ذاك وهو معظمه، ووقعت الإشارة إلى أن ما نزل بعد ذلك يوزع بقسطه قاله الحافظ:(متفق عليه) أخرجه البخاري في التهجد والصوم والأنبياء وفضائل القرآن والنكاح والأدب والاستيذان، ومسلم في الصوم بألفاظ متقاربة، والسياق المذكور ههنا ليس لأحد منهما ولا لغيرهما ممن خرجه من الأئمة كما لا يخفى على من نظر في طرق هذا الحديث وألفاظه. وأخرجه أحمد اثنتين وعشرين مرة مطولاً ومختصراً، وأبوداود والنسائي والبيهقي في الصوم، وقد أطال النسائي في تخريجه طرقه، قال الحافظ في الفتح: رواه جماعة من الكوفيين والبصريين والشاميين عن عبد الله بن عمرو مطولاً ومختصراً. فمنهم من اقتصر على قصة الصلاة، ومنهم من اقتصر على قصة الصيام، ومنهم من ساق القصة كلها، ولم أره من رواية أحد من المصريين عنه مع كثرة روايتهم عنه.