٢٠٨٤- (٢٩) وعن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً، كما بين السماء والأرض)) . رواه الترمذي.
ــ
روى أبوداود عن الأوزاعي أنه قال ما زلت لحديث عبد الله بن بسر كاتماً حتى رأيته انتشر، وروى عن الزهري أنه كان إذا ذكر له قال هذا حديث حمصي إلى أنه ضعيف. وقول مالك المذكور أصرح في ذلك وأبلغ. وأما قول أبي داود أنه منسوخ فلعله أراد ما سيأتي في الفصل الثالث من حديث أم سلمة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم يوم السبت ويوم الأحد أكثر ما يصوم من الأيام-الحديث، فالنهي عن صومه كان أول الأمر حيث كان - صلى الله عليه وسلم - يحب موافقة أهل الكتاب، ثم كان آخر أمره - صلى الله عليه وسلم - مخالفتهم كما صرح به حديث أم سلمة نفسه. وقيل بل النهي كان عن إفراده بالصوم إلا إذا صام ما قبله أو ما بعده كما تقدم عن المنذري والطيبي. قال الشوكاني: وقد جمع صاحب البدر المنير بين هذه الأحاديث يعني حديث الصماء وحديث أم سلمة وحديث عائشة السابق في صومه - صلى الله عليه وسلم - في السبت والأحد بأن النهي متوجه إلى الإفراد، والصوم بإعتبار انضمام ما قبله أو بعده إليه، ويؤيد هذا ما تقدم من إذنه - صلى الله عليه وسلم - لمن صام الجمعة أن يصوم السبت بعدها، والجمع مهما أمكن أولى من النسخ-انتهى.
٢٠٨٤- قوله:(جعل الله بينه وبين النار خندقاً) الخندق، بوزن جعفر، حفير حول أسوار المدن، وحول الحصون معرب كندة (كما بين السماء والأرض) أي مسيرة خمسمائة عام. قال الطيبي: استعارة تمثيلية الحاجز المانع شبه الصوم بالحصن وجعل له خندقاً حاجزاً بينه وبين النار التي شبهت بالعدو، ثم شبه الخندق في بعد غوره بما بين السماء والأرض، (رواه الترمذي) في فضائل الجهاد من رواية الوليد بن جميل عن القاسم عن أبي أمامة وقال هذا حديث غريب: ونقله المنذري في الترغيب عن الترمذي وسكت عنه. قال ورواه الطبراني إلا أنه قال من صام يوماً في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار مسيرة عام، ركض الفرس الجواد المضمر. وقد ذهب طوائف من العلماء إلى أن هذه الأحاديث جاءت في فضل الصوم في الجهاد، وبوب على هذه الترمذي وغيره، وذهبت طائفة إلى أن كل الصوم في سبيل الله إذا كان خالصاً لوجه الله تعالى-انتهى. قلت: والراجح عندنا هو القول الأول، وقد تقدم البسط في ذلك وحديث أبي أمامة هذا رواه الطبراني في الأوسط والصغير من حديث أبي الدرداء قال المنذري والهيثمي (ج٣ص١٩٤) إسناده حسن ورواه في الأوسط من حديث جابر. قال الهيثمي: وفيه عيسى بن سليمان الجرجاني وهو ضعيف.