للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي الباب عن ابن عمر عند مسلم وأحمد عن جابر بن سمرة عند الطبراني وعن معاوية عند أبي داود وحكاه صاحب الحلية عن أكثر العلماء. وقيل: إنها ليلة ثمان وعشرين. وقيل: ليلة تسع وعشرين. وقيل: ليلة ثلاثين، واختلف أهل القول الثاني أيضاً وهم الذين ذهبوا إلى أنها تنتقل في العشر الأخير كله فمنهم من قال هي فيه محتملة على حد سواء نقله الرافعي عن مالك، وضعفه ابن الحاجب. ومنهم من قال بعض لياليه أرجى من بعض: فقال الشافعي أرجاه ليلة إحدى وعشرين وقيل أرجاء ليلة ثلاث وعشرين وقيل إرجاء ليلة سبع وعشرين. وقال أبوثور المزني وابن خزيمة وجماعة من علماء المذهب: أنها في أوتار العشر الأخير وإنها تنتقل، وعليه يدل حديث عائشة الآتي وغيرها وهو. أرجح الأقوال قال الحافظ بعد ذكر الأقوال: وأرجحها كلها إنها في وتر من العشر الأخير، وإنها تنتقل كما يفهم من أحاديث هذا الباب وأرجاها أوتار العشر وأرجى أوتار العشر عند الشافعية ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين، وأرجاها عند الجمهور ليلة سبع وعشرين-انتهى. وقد ترجم البخاري لحديث عائشة وغيرها باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر. قال الحافظ: في هذه الترجمة إشارة إلى رجحان كون ليلة القدر منحصرة في رمضان ثم في العشر الأخير منه، ثم في أوتاره لا في ليلة منه بعينها، وهذا هو الذي يدل عليه مجموع الأخبار الواردة فيها-انتهى. والحكمة في إخفاءها على ما قال العلماء ليحصل الاجتهاد في التماسك بخلاف ما لو عينت لها ليلة لاقتصر عليها كما تقدم نحوه في ساعة الجمعة، وهذه الحكمة مطردة عند من يقول إنها في جميع السنة أو في رمضان أو في جميع العشر الأخير أو في أوتاره خاصة إلا أن الأول ثم الثاني أليق به قاله الحافظ. وقال الرازي: إنه تعالى أخفى هذه الليلة لوجوه، أحدها أنه تعالى أخفاها كما أخفى سائر الأشياء فإنه أخفى رضاه في الطاعات حتى يرغبوا في الكل ويجتهدوا في الجميع وأخفى سخطه في المعاصي ليحترزوا عن الكل وأخفى الإجابة في الدعاء ليبالغوا في كل الدعوات، وأخفى الاسم الأعظم ليعظموا كل الأسماء، وأخفى قبول التوبة ليواظب المكلف على جميع أقسام التوبة، وأخفى وقت الموت ليخاف المكلف فكذا أخفى هذه الليلة ليعظموا جميع ليالي رمضان وثانيها كأنه تعالى يقول لو عينت هذه الليلة وأنا أعلم بتجاسركم على المعصية فربما دعتك الشهوة في تلك الليالي إلى المعصية فوقعت في الذنب فكانت معصيتك مع علمك أشد من معصيتك لا مع علمك، يعني كأنه تعالى يقول إذا علمت ليلة القدر فإن أطعت فيها اكتسبت ثواب ألف شهر، وإن عصيت فيها اكتسبت عقاب ألف شهر، ورفع العقاب أولى من جلب الثواب. وثالثها أخفيت هذه الليلة حتى يجتهد المكلف في طلبها فيكتسب ثواب الاجتهاد ورابعها إن العبد إذا لم يتيقن فإنه يجتهد في الطاعة في جميع ليالي رمضان على رجاء أنه ربما كانت هذه الليلة هي ليلة القدر فيباهي الله تعالى بهم ملائكته ويقول كنتم تقولون فيهم يفسدون ويسفكون فهذا جده واجتهاده في الليلة المظنونة فكيف لو جعلتها معلومة-انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>