٢١١٠- (٨) وعنها، قالت:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد ميزره، وأحي ليله، وأيقظ أهله)) . متفق عليه.
ــ
والحديث ذكره الجزري في جامع الأصول (ج٧ص٧٨) عزو المسلم بلفظ: قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره، وفي العشر الأخير منه مالا يجتهد في غيره، ولم أجده بهذا السياق في صحيح مسلم، ورواه البيهقي (ج٤ص٣١٤) بلفظ: كان يجتهد في العشر الأواخر من رمضان مالا يجتهد في غيرها.
٢١١٠- قوله:(إذا دخل العشر) وفي رواية للبيهقي، إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان. قال الحافظ: قوله "إذا دخل العشر" أي الأخير وصرح به في حديث علي عند ابن أبي شيبة والبيهقي (شد منزره) ولمسلم و"شد المئزر" بكسر الميم وسكون الهمزة أي إزاره كقولهم ملحفة ولحاف. قال في التلويح "المئزر" والإزار، ما يأتزر به الرجل من أسفله وهو يذكر ويؤنث. واختلفوا في معنى شد مئزره، فقيل هو كناية عن شدة جده واجتهاده في العبادة زيادة على عادته صلى الله عليه وسلم في غيره، ومعناه التشمير في العبادة يقال شددت لهذا الأمر مئزري أي تشمرت له وتفرغت. قال القسطلاني: وفي هذا نظر، فإنها قالت جد وشد المئزر فعطفت شد المئزر على الجد، والعطف يقتضي التغاير، والصحيح أن المراد به اعتزاله للنساء للإشتغال بالعبادات، وبذلك فسره السلف والأئمة المتقدمون، وجزم به الثوري واستشهد بقول الشاعر:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم عن النساء ولو باتت بأطهار
ويحتمل أن يراد التشمير للعبادة والاعتزال عن النساء معاً ويحتمل أن يراد الحقيقة والمجاز كمن يقول طويل النجاد لطويل القامة، وهو طويل النجاد حقيقة فيكون المراد شد مئزره حقيقة فلم يحلله، واعتزل النساء وشمر للعبادة قال الطيبي: قد تقرر عند علماء البيان إن الكناية لا تنافي إرادة الحقيقة كما إذا قلت فلان طويل النجاد، وأردت طول نجاده مع طول قامته كذلك صلى الله عليه وسلم لا يستبعد أن يكون قد شد مئزره ظاهراً وتفرغ للعبادة واشتغل بها عن غيرها-انتهى. قلت: وقع عند ابن أبي عاصم بإسناد مقارب عن عائشة شد المئزر واجتنب النساء، وفي حديث علي المذكور شد مئزره واعتزل النساء فعطفه بالواو، وهذا يقوي الاحتمال الأول (وأحي ليله) أي استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها أو أحي معظمه لقولها في الصحيح ما علمته قام ليلة حتى الصباح، وقوله "أحيا ليله" أي بالقيام والقراءة والذكر كأن الزمان الخالي عن العبادة بمنزلة الميت، وبالعبادة فيه يصير حياً.