فقال: خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم، فالتمسوها في التاسعة، والسابعة، والخامسة)) . رواه البخاري.
ــ
وروى مسلم أيضاً عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أريت ليلة القدر ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها، وهذا سبب آخر. فأما أن يحمل على التعدد بأن تكون الرؤيا في حديث أبي هريرة مناماً فيكون سبب النسيان الإيقاظ وأن تكون الرؤيا في حديث غيره في اليقظة فيكون سبب النسيان ما ذكر من المخاصمة، أو يحمل على إتحاد القصة، ويكون النسيان وقع مرتين عن سببين، ويحتمل أن يكون المعنى أيقظني بعض أهلي فسمعت تلاحى الرجلين فقمت لأحجز بينهما فنسيتها للاشتغال بهما. وقد روى عبد الرزاق من مرسل سعيد بن المسيب أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ألا أخبر بليلة القدر قالوا: بلى فسكت ساعة ثم قال لقد قلت لكم وأنا أعلم ثم أنسيتها فلم يذكر سبب النسيان وهو مما يقوى الحمل على التعدد-انتهى كلام الحافظ. (رجلان) قيل: هما عبد الله ابن أبي حدرد، وكعب بن مالك أي وقعت بينهما منازعة ومخاصمة، والظاهر إنها التي كانت في الدين الذي للأول على الثاني فأمره عليه الصلاة والسلام بوضع شطر دينه عنه فوضعه ذكره ابن حجر. وقال الحافظ: قيل الرجلان هما عبد الله بن أبي حدرد وكعب بن مالك ذكره ابن دحية ولم يذكر له مستنداً (فرفعت) بصيغة المجهول، أي رفع بيانها أو علمها من قلبي فنسيت تعيينها للاشتغال بالمتخاصمين. وقيل: المعنى رفعت بركتها في تلك السنة. وقيل: التاء في رفعت للملائكة لا لليلة. وقال الطيبي قال بعضهم: رفعت أي معرفتها لتلاحى الناس، والحامل له على ذلك إن رفعها مسبوق بوقوعها وحصولها فإذا حصلت لم يكن لرفعها معنى قال، ويمكن أن يقال المراد برفعها إنها شرعت أن تقع فلما تخاصما رفعت بعد فنزل الشروع منزلة الوقوع وإذا تقرر أن الذي ارتفع علم تعيينها تلك السنة فهل أعلم النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بتعيينها فيه احتمال. وقد روى عن ابن عيينة أنه أعلم وروى محمد بن نصر من طريق وهب المغافري أنه سأل زينب بنت أم سلمة هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلم ليلة القدر فقالت لا، لو علمها لما أقام الناس غيرها. قال الحافظ: وهذا قالته احتمالاً وليس بلازم لاحتمال أن يكون التعبد وقع بذلك أيضاً فيحصل الاجتهاد في جميع العشر كما تقدم، وقال العيني: الذي قالته زينب إنما قالته احتمالاً وهذا لا ينافي علمه بذلك، واستنبط السبكي الكبير من هذه القصة استحباب كتمان ليلة القدر لمن رآها لأن الله قدر لنبيه أنه لم يخبر بها، والخير كله فيما قدره له فيستحب إتباعه في ذلك-انتهى. قال الباجي: قد يذنب البعض فتتعدى عقوبته إلى غيره فيجزى به من لا سبب له في الدنيا وأما في الآخرة {ولا تزروا وازرة وزر أخرى}[الإسراء: ١٥]-انتهى. وقد روى في هذا أحاديث كثير لا تخفى على طالب الحديث (وعسى أن يكون) أي رفع تعيينها (خيراً لكم) حيث يحثكم على الاجتهاد في جميع ليالي العشر الأواخر.