فيه دليل على أن الاعتكاف ليس من الخصائص وإن النساء كالرجال في الاعتكاف وقد كان عليه السلام إذن لبعضهن كما تقدم. وأما إنكاره عليهن الاعتكاف بعد الإذن فلمعنى آخر. فقيل: خوف أن يكن غير مخلصات في الاعتكاف بل أردن القرب منه لغيرتهن عليه أو ذهاب المقصود من الاعتكاف بكونهن معه في المعتكف أو لتضييقهن المسجد بأبنيتهن. قال النووي: في هذا الحديث دليل لصحة اعتكاف النساء لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان أذن لهن ولكن عند أبي حنيفة إنما يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها وهو الموضع المهيأ في بيتها لصلاتها، قال. ولا يجوز للرجل في مسجد بيته. ومذهب أبي حنيفة قول قديم للشافعي ضعيف عند أصحابه- انتهى وقال العيني قال أصحابنا المرأة تعتكف في مسجد بيتها وبه قال النخعي والثوري وابن عليه، ولا تعتكف في مسجد جماعة ذكره في الأصل، وفي منية المفتى لو اعتكفت في المسجد جاز، وفي المحيط روى الحسن عن أبي حنيفة جوازه وكراهته في المسجد وفي البدائع لها أن تعتكف في مسجد الجماعة في رواية الحسن عن أبي حنيفة، ومسجد بيتها أفضل لها من مسجد حيها، ومسجد حيها أفضل لها من المسجد الأعظم- انتهى. وقال الحافظ: قد أطلق الشافعي كراهته لهن في المسجد الذي تصلي فيه الجماعة، واحتج بحديث الباب يعني حديث عائشة الذي تقدم في كلام ابن الهمام فانه دال على كراهة الاعتكاف للمرأة إلا في مسجد بيتها لأنها تتعرض لكثرة من يراها، وشرط الحنفية لصحة اعتكاف المرأة أن تكون في مسجد بيتها. وفي رواية لهم إن لها الاعتكاف في المسجد مع زوجها وبه قال أحمد- انتهى. وقال ابن قدامة (ج٣ ص١٩٠) وللمرأة أن تعتكف في كل مسجد، ولا يشترط إقامة الجماعة فيه لأنها غير واجبة عليها، وبهذا قال الشافعي: وليس لها الاعتكاف في بيتها. وقال أبوحنيفة والثوري: لها اعتكاف في مسجد بيتها، واعتكافها فيه أفضل لأن صلاتها فيه أفضل وحكى عن أبي حنيفة أنها لا يصح اعتكافها في مسجد الجماعة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك الاعتكاف في المسجد لما رأى أبنية أزواجه فيه، ولأن مسجد بيتها موضع فضيلة صلاتها، فكان موضع اعتكافها كالمسجد في حق الرجل. ولنا قوله تعالى:{وأنتم عاكفون في المساجد}[البقرة:١٨٧] والمراد به المواضع التي بنيت للصلاة فيها وموضع صلاتها في بيتها ليس بمسجد لأنه لم يبن للصلاة فيه وإن سمى مسجداً كان مجازاً، فلا يثبت له أحكام المساجد الحقيقية، ولأن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - استأذنه في الاعتكاف في المسجد فأذن لهن ولو لم يكن موضعاً لاعتكافهن لما أذن فيه، ولو كان الاعتكاف في غيره أفضل لدلهن عليه ونبهن عليه ولأن الاعتكاف قربة يشترط لها المسجد في حق الرجل فيشترط في حق المرأة كالطواف. وحديث عائشة حجة لنا لما ذكرنا وإنما كره اعتكافهن في تلك الحال حيث كثرن أبنيتهن لما رأى من منافستهن فكرهه منهن خشية عليهن من فساد نيتهن ولذلك ترك الاعتكاف لظنه إنهن يتنافسن في الكون معه ولو كان للمعنى الذي ذكروه لأمرهن بالاعتكاف في بيوتهن، ولم يأذن لهن في المسجد. وأما الصلاة فلا يصح إعتبار الاعتكاف بها، فإن صلاة الرجل في بيته أفضل ولا يصح اعتكافه فيه- انتهى.