أخرج بعضه عن المسجد كيده ورجله ورأسه لم يبطل اعتكافه، لأن إخراج البعض لا يجري مجرى الكل، وإن من حلف أن لا يدخل داراً أو لا يخرج منها فأدخل أو أخرج بعضه لا يحنث حتى يخرج رجليه ويعتمد عليها، وفيه إن الاعتكاف لا يصح في غير المسجد وإلا لكان يخرج منه لترجيل الرأس، وفيه إن بدن الحائض طاهر إلا موضع الدم إذ لو كان نجساً لما أمكنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ترجيل رأسه وغسله وفيه استخدام الزوجة في الغسل والطبخ والخبز وغيرها برضاها. قال النووي: وعلى هذا تظاهرت دلائل السنة وعمل السلف وإجماع الأمة. وأما بغير رضاها فلا يجوز لأن الواجب عليها تمكين زوجها من نفسها وملازمة بيته فقط- انتهى. قال الولي العراقي في شرح التقريب:(ج٤ ص١٧٦) وهذا الذي ذكره إنما هو بطريق القياس فإنه ليس منصوصاً، وشرط القياس مساواة الفرع للأصل، وفي الفرع هنا زيادة مانعة من الإلحاق وهي المشقة الحاصلة من الغسل والطبخ ونحوهما فلا يلزم من استخدامها في الأمر الخفيف احتمال ذلك في الثقيل الشديد، ولسنا ننكر هذا الحكم فإنه متفق عليه، وإنما الكلام في الاستدلال من الحديث والله أعلم. (وكان لا يدخل البيت) أي بيته وهو معتكف (إلا لحاجة الإنسان) قال الجزري في جامع الأصول (ج١ ص٣٢٤) حوائج الإنسان كثيرة والمراد منها ههنا كل ما يضطر إليه مما لا يجوز له فعله في معتكفة- انتهى. وفسرها الزهري بالبول والغائط، وقد وقع الإجماع على استثناءهما واختلفوا في غيرهما من الحاجات كالأكل والشرب وعيادة المريض وشهود الجنازة والجمعة ويلتحق بالبول والغائط والقيء والفصد والحجامة وغسل الجنابة لمن احتاج إلى ذلك. قال الباجي: تريد عائشة لا يدخل بيته إلا لضرورة قضاء الحاجة وأفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - على الوجوب، وهذا يقتضي أن المعتكف لا يدخل بيته إلا لضرورة حاجة الإنسان وما يجري مجراه من طهارة الحدث وغسل الجنابة والجمعة مما تدعوا لضرورة إليه ولا يفعل في المسجد ولا يدخله لأكل أو نوم ولا غيره من الأفعال التي يباح فعلها في المسجد- انتهى. وقال ابن قدامة:(ج٣ ص١٩١) إن المعتكف ليس له الخروج من معتكفه إلا لما لابد منه ثم ذكر حديث عائشة هذا وحديثها الآتي في الفصل الثاني بلفظ: السنة للمعتكف أن لا يخرج إلا لما لابد منه ثم قال ولا خلاف في أن له الخروج لما لابد منه. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن للمعتكف أن يخرج من معتكفه للغائط والبول، ولأن هذا مما لابد منه ولا يمكن فعله في المسجد قال: والمراد بحاجة الإنسان البول والغائط كنى بذلك عنهما لأن كل إنسان يحتاج إلى فعلهما وفي معناه الحاجة إلى المأكول والمشروب إذا لم يكن من يأتيه به فله الخروج إليه إذا احتاج إليه وإن بغتة القيء فله أن يخرج ليتقيأ خارج المسجد وكل ما لابد منه، ولا يمكن فعله في المسجد فله الخروج إليه، ولا يفسد اعتكافه، وكذلك له الخروج إلى ما أوجبه الله تعالى عليه مثل من يعتكف في مسجد لا جمعة فيه، فيحتاج إلى خروجه ليصلي الجمعة. ويلزم السعي إليها فله الخروج إليها ولا يبطل اعتكافه، وبهذا