فلم يعتكف عاماً، فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين)) .
ــ
(فلم يعتكف عاماً) أي لعذر السفر يدل عليه رواية البيهقي بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان مقيماً اعتكف العشر الأواخر وإذا سافر اعتكف العام المقبل عشرين يوماً، ويدل عليه أيضاً حديث أبي بن كعب الذي أشار إليه المصنف كما سيأتي (فلما كان العام المقبل) اسم فاعل، من الإقبال (اعتكف عشرين) بكسر العين والراء. وقيل: بفتحهما على التثنية. قال في اللمعات. أي اهتماماً ودلالة على التأكيد، لا. لأن ما فات من النوافل المؤقتة يقضى- انتهى. وقال الطيبي: دل الحديث على أن النوافل المؤقتة تقضى إذا فاتت كما تقضي الفرائض- انتهى. قال القاري: والظاهر إن التشبيه لمجرد القضاء بعد الفوت وإلا فقضاء الفرائض فرض وقضاء النوافل نفل- انتهى. قلت في الحديث دليل على أن من اعتاد اعتكاف أيام ثم لم يمكنه أن يعتكفها أنه يستحب له قضاءها فكان قضاءه صلى الله عليه وسلم له على طريق الاستحباب، وقد بوب الترمذي على هذا الحديث باب ما جاء في الاعتكاف إذا خرج منه. قيل: وجه المناسبة بالترجمة أنه صلى الله عليه وسلم لما قضى الاعتكاف لمجرد النية، وكان لم يشرع فيه بعد فقضاءه بعد الشروع أولى بالثبوت- انتهى. قال الترمذي بعد إخراج هذا الحديث: واختلف أهل العلم في المعتكف إذا قطع اعتكافه قبل أن يتمه على ما نوى. فقال بعض أهل العلم إذا نقض اعتكافه وجب عليه القضاء، واحتجوا بالحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من اعتكافه فاعتكف عشراً من شوال، وهو قول مالك (وبه قال الحنفية) وقال بعضهم: إن لم يكن نذراً اعتكاف أو شي أوجبه على نفسه وكان متطوعاً فخرج فليس عليه شي أن يقضى إلا أن يحب ذلك اختياراً منه ولا يجب ذلك عليه وهو قول الشافعي (وبه قال أحمد كما سيأتي) قال الشافعي: وكل عمل لك أن لا تدخل فيه فإذا دخلت فيه فخرجت منه فليس عليك أن تقضي إلا الحج والعمرة- انتهى. قلت: أراد الترمذي بالحديث الذي أشار إليه في قوله، واحتجوا بالحديث إلخ حديث إلا خبية وقد تقدم لفظه في شرح الحديث الأول من هذا الباب وفيه رواية للبخاري، فترك الاعتكاف ذلك الشهر ثم اعتكف عشراً من شوال. وأما لفظ "خرج من اعتكافه" فلم أجده في الكتب الستة ولا ذكره الجزري في جامع الأصول ولم أقف على من أخرج الحديث بهذا اللفظ. قال ابن قدامة:(ج٣ص١٨٤) وإن نوى اعتكاف مدة لم تلزمه، فإن شرع فيها فله إتمامها وله الخروج منها متى شاء، وبهذا قال الشافعي، وقال مالك: تلزمه بالنية مع الدخول فيه، فإن قطعه لزمه قضاءه. قال ابن عبد البر: وإن لم يدخل فيه فالقضاء مستحب، ومن العلماء من أوجبه وإن لم يدخل فيه، واحتج بحديث إلا خبية. قال ابن قدامة: الحديث حجة عليه لا له فإن النبي صلى الله عليه وسلم ترك اعتكافه ولو كان واجباً لما تركه، وأزواجه تركن الاعتكاف بعد نيته وضرب اخبيتهن له، ولم يوجد عذر يمنع فعل الواجب ولا أمرن بالقضاء وقضاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن واجباً عليه، وإنما فعله تطوعاً لأنه