الليالي فتدخل فيه الليلة الأولى وإلا لا يتم هذا العدد أصلاً وأيضاً من أعظم ما يطلب بالاعتكاف إدراك ليلة القدر وهي قد تكون ليلة الحادي والعشرين كما جاء في حديث أبي داود فينبغي له أن يكون معتكفاً فيها لا أن يعتكف بعدها. وأجاب النووي عن الجمهور بتأويل الحديث إنه دخل معتكفه وانقطع فيه وتخلى بنفسه بعد صلاة الصبح، لا إن ذلك وقت ابتداء الاعتكاف بل كان قبل المغرب معتكفاً لابثاً في جملة المسجد فلما أصبح انفرد-انتهى. ولا يخفى إن قولها "كان إذا أراد أن يعتكف" يفيد أنه كان يدخل المعتكف حين يريد الاعتكاف لا أنه يدخل في الشروع في الاعتكاف في الليل، وأيضاً المتبادر من لفظ الحديث إنه بيان لكيفية الشروع. ثم لازم هذا التأويل أن يقال السنة للمعتكف أن يلبث أول ليلة في المسجد ولا يدخل في المعتكف. وإنما يدخل فيه من الصبح وإلا يلزم ترك العمل بالحديث، وعند تركه لا حاجة إلى التأويل والجمهور لا يقول بهذه السنة فيلزم عليهم ترك العمل بالحديث. وأجاب القاضي أبويعلى من الحنابلة بحمل الحديث على أنه كان يفعل ذلك في يوم العشرين ليستظهروا ببياض يوم زيادة قبل العشر. (قلت: قائله السندي) وهذا الجواب هو الذي يفيده النظر في أحاديث الباب فهو أولى، وبالاعتماد أحرى، بقي أنه يلزم منه أن تكون السنة الشروع في الاعتكاف من صبح العشرين استظهاراً باليوم الأول ولا بعد في التزامه، وكلام الجمهور لا ينافيه فإنهم ما تعرضوا له لا إثباتاً ولا نفياً. وإنما تعرضوا لدخوله ليلة الحادي والعشرين وهو حاصل غاية الأمر إن قواعدهم تقتضي أن يكون هذا الأمر سنة عندهم، فلنقل وعدم التعرض ليس دليلاً على العدم، ومثل هذا الإيراد يرد على جواب النووي مع ظهور مخالفة الحديث- انتهى. كلام السندي: اعلم أن القول بدخول المسجد قبيل غروب الشمس لمريد الاعتكاف عشر أو شهر هو المشهور من مذهب الإمام أحمد وقد حكى عنه رواية أخرى أنه يدخل معتكفه بعد صلاة الفجر في اعتكاف التطوع، وقبل طلوع الفجر في اعتكاف النذر. قال الخرقي: من نذر أن يعتكف شهراً بعينه دخل المسجد قبل غروب الشمس. قال ابن قدامة: وهذا قول مالك والشافعي، وحكى ابن أبي موسى عن أحمد رواية أخرى أنه يدخل معتكفه قبل طلوع الفجر من أوله وهو قول الليث وزفر لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يعتكف صلى الصبح ثم دخل معتكفه، ولنا أنه نذر الشهر وأوله غروب الشمس، ووجب أن يدخل قبل الغروب ليستوفي جميع الشهر فإنه لا يمكن إلا بذلك وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وأما الحديث فقال ابن عبد البر: لا أعلم أحداً من الفقهاء قال به على أن الخبر إنما في التطوع فمتى شاء دخل وفي مسألتنا نذر شهراً فيلزمه اعتكاف شهر كامل ولا يحصل إلا أن يدخل فيه قبل غروب الشمس من أوله، ويخرج بعد غروبها من آخره فأشبه ما لو نذر اعتكاف يوم فإنه يلزمه الدخول فيه قبل طلوع فجره ويخرج بعد غروب شمسه. قال ابن قدامة: وإن أحب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان تطوعاً، ففيه روايتان. إحداهما: يدخل قبل غروب الشمس