أو فرقان من طير صوافَ تحاجّان عن أصحابهما، اقرؤا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة)) .
ــ
القاري: قيل الغمامة ما يغم الضوء ويمحوه لشدة كثافته، والغيابة ما يكون أدون من الغمامة في الكثافة وأقرب إلى رأس صاحبه كما يفعل بالملوك فيحصل عنده الظل والضوء جميعا وقال الحفني: غيايتان أي لهما نور وضياء زيادة على حصول الاستظلال بهما فهو أبلغ مما قبله لأن غايته إنهما يظلان كالسحابتين وليس فيهما نور (أو فرقان) تثنية فرق بكسر الفاء وسكون الراء أي قطيعان يعني طائفتان وجماعتان (من طير) جمع طائر (صواف) جمع صافة، وهي الجماعة الوافقة على الصف تقول صففت القوم إذا أقمتهم في الحرب، وغيرها على خط مستو، وصف الإبل قوائمها أي وضعتها صفاً فهي صافة وصوافّ، وصفّ الطائر جناحيه أي بسطهما ولم يحركهما، والمعنى باسطات أجنحتها متصلاً بعضها ببعض بحيث لا يكون بينهما فرجة، والمراد أنهما يقيان قارئهما من حر الموقف وكرب يوم القيامة، وليست "أو" للشك ولا للتخيير في تشبيه السورتين ولا للترديد بل للتنويع، وتقسيم القارئين فالأول لمن يقرؤهما ولا يفهم المعنى، والثاني للجامع بين التلاوة ودراية المعنى والثالث لمن ضم إليهما التعليم والإرشاد (تحاجان) أي السورتان تدافعان الجحيم والزبانية أو تجادلان وتخاصمان الرب (عن أصحابهما) وهو كناية عن المبالغة في الشفاعة قاله القاري. وقال التوربشتي: الأصل في المحاجة أن يطلب كل واحد من المتخاصمين أن يرد صاحبه عن حجته ومحجته، وأريد به ههنا مدافعة السورتين عن صاحبهما والذب عنه. وقال الشوكاني: يحاجان أن يقيمان الحجة لصاحبه ويجادلان عنه وصاحبهما هو المستكثر من قراءتهما، وظاهر الحديث أنهما يتجسمان حتى يكونا كأحد هذه الثلاثة التي شبههما بها - صلى الله عليه وسلم - ثم يقدرهما الله تعالى على النطق بالحجة وذلك غير مستعبد من قدرة القادر القوي الذي يقول للشي كن فيكون. (إقرؤا سورة البقرة) قال الطيبي: تخصيص بعد تخصيص بعد تعميم أمر أولاً بقراءة القرآن وعلق بها الشفاعة ثم خص الزهراوين وأناط بهما التخليص من حر يوم القيامة بالمحاجة وأفرد ثالثاً البقرة وأناط بها الأمور الثلاثة الآتية إيماء إلى أن لكل خاصة يعرفها الشارع (فإن أخذها) أي في المواظبة على تلاوتها والتدبر في معانيها والعمل بما فيها (بركة) أي زيادة ونماء وقيل أي منفعة عظيمة (وتركها) بالنصب ويجوز الرفع (حسرة) أي تلهف وتأسف على ما فات من الثواب وقيل: أي ندامة يوم القيام (ولا يستطيعها) أي لا يقدر على تحصيلها (البطلة) بفتح الباء والطاء المهملة أي أصحاب أي أصحاب البطالة والكسالة لطولها ولتعودهم الكسل. وقال معاوية بن سلام أحد رواة هذا الحديث: بلغني أن البطلة السحرة يعني لزيغهم عن الحق وإنهماكهم في الباطل قال القاري: وقيل البطلة السحرة لأن ما يأتون به باطل سماهم باسم فعلهم الباطل أي لا يؤهلون لذلك ولا يوفقون له لطمس قلوبهم بالمعاصي، ويمكن أن يقال معناه لا تقدر